الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

في السادس من فبراير 2011 قبل تنحي مبارك بخمسة أيام كتبت هذا الكلام ونلت بسببه شتائم كثيرة. أحب أن أشارك به اليوم لاؤكد إني مازلت أحلم باليوم الذي يتخذ فيه الإخوان هذه النقلة التطورية التي سوف تجعلهم يعيشون ويبقون كفصيل سياسي ديني مصري.



ستمعت لتوي لكلمة من د. أحمد عكاشة (الذي أحترمه جداً وأحترم شجاعته وآراءه السياسية) وهو يقول كما يقول كثيرون، أن المصريين تغيروا وأن المصريين بعد 25 يناير ليسوا كالمصريين قبله. وأحييه أيضاً أنه شدد على أن هذه الحركة لا يمكن أن  تسمى إلا ثورة وهي أول ثورة حقيقية في تاريخ مصر وأول صورة يصنعها الانترنت. 

انطلاقاً من هذا التصور للمصريين قبل 25 يناير وبعد 25 يناير ا أريد أن اقول..... الكل تغير. الكل تغير وسيستمر في التغيير وسوف تجدون مصراً جديدة تخرج من رحم الثورة

الأحزاب والسياسيونانا أرفض مقولة أن الأحزاب يجب أن يكونوا خارجاً عن الثورة وأنهم يريدون أن يتسلقوا عليها ويسلخون الدب قبل قتله ويريدون قطعة من التورتة وكل هذا الكلام، فهم جزء من نسيج الوطن ومن مؤسساته و من حقهم أن يشاركوا مثل كل المصريين. أرفض أيضاً المقولة التي تقول أنهم تربوا بين أحضان النظام لثلاثين سنة فلا يمكن أن يتفهموا الثورة. أنا أريد أن أقول أن هذه الثورة مثل نار ممحصة تحرق شوائبنا التي تكونت فوقنا ليس فقط لثلاثين سنة بل لمئات السنين. بالأمس وأنا اتمشى في ميدان التحرير تطلعت متأملاً تمثال السيد عمر مكرم قائد ثورة القاهرة الأولى والثانية ضد الحملة الفرنسية وتذكرت.. ربما ثورة يناير 2011 هي أول ثورة مصرية ضد حاكم مصري. كل الثورات السابقة من ثورة القاهرة 1798 مروراً بثورة عرابي 1881 التي كانت موجهة ضد حاكم مصر  (الخديو توفيق)، لكنه لم يكن حاكماً مصرياً، ثم ثورة 1919 و 1952 التي كانتا تحت ظل الاحتلال الانجليزي وأسرة محمد علي الألبانية. 
Picture
الشعب المصري مثل النيل. هادئ وصابر ومستقر. إنه ليس مثل البحر الهائج المضطرم  لكن لا تستهن بثورة النيل حين يفيض ويفيض به الكيل.  ثورة الجمل حين ينوء بالحمل. هذه الثورة كما نقتنا كلنا أرى أنها سوف تنقي الأحزاب وتعيد إليهم وطنيتهم وكأنها تحرق ذواتاً مزيفة أنانية نفعية وخانعة ترضى بالفتات التي تلقي به السلطة  وتعقد صفقات معها. إن الثورة بوتقة تنقينا كلنا وتعيد إلينا بريق معدننا الأصلي. أما من أصبح أغلبه صدأ ووصل الفساد إلى عمقه وجوهره فإن الثورة تفرزه وتتجاوزه.

ربما حتى أكون متجاوزاً قليلاً في التفاؤل حين أستشعر أن الثورة تنقي حسني مبارك نفسه. ذلك الرجل الوطني الذي حارب في 73 وكان في بداية حكمه طاهراً نقياً إلا أن طول مدة الحكم  والمكاسب المادية الكثيرة أفسدته. فربما الآن تنقي الثورة فيه قليلاً مما أفسدته الثروة ويغسل فيضان النيل الثائر دنس السلطان الطويل الجائر. 
الإخوان
سمعت أحد المتظاهرين من الإخوان  يقول  في التلفزيون في انفعال شديد: " لم أكن أتخيل أنني في يوم من الأيام سوف أحتضن مسيحياً يرتدي الصليب" الإخوان طائفة من الشعب المصري نشات ونشأ فقهها خلال السبعين سنة الماضية التي عشنا فيها في قمع وسلطة عسكرية سواء من الإنجليز أو من القصر أو من ثورة يوليو، فوجد هذا الفقه من المصريين آذاناً سامعة فاصبحوا على ما اصبحوا عليه. أتوقع أن الإخوان ايضاً سوف يتغيرو ويتطهر منهم كثيرون بنيران الثورة وسيتخلى الكثيرون منهم عن  العنف وعن أحلام الخلافة والدولة الأحادية والكراهية لمن سواهم ويراجعوا (كما راجعت جماعات الجهاد) فقههم وربما يتحولوا لحزب إسلامي معتدل مثل حزب العدالة والتنمية في تركيا (الذي ربما يكون حزب الوسط نموذجاً له) ويرتضوا أن ينخرطوا في طيف الحياة السياسية كغيرهم من الأحزاب والاتجاهات التي تهدف خير الوطن. بالطبع سوف يكون هناك من بلغ الصدأ  أعماق قلوبهم  وتخللت الكراهية إلى جوهرهم أظن أيضاً أن التاريخ والثورة والشعب سوف يتجاوزوا هؤلاء جميعاً فيصبحون خارج السياق تماماً يسببون لنا مشاكل ولكن أبداً لا يهدمون ما بنيناه. 

المسيحيون
المسيحيون أيضاً يتغيرون وسيتغيرون. إن كانت الذات المزيفة للسياسيين هي الانتهازية والوصولية وتلك التي تغلف كيان الإخوان المسلمين هي العنف ونفي الآخر، فالذات المزيفة التي تغلف المسيحيين هي السلبية والخوف. هذا يتغير وسوف يتغير أكثر. سوف يكتشف المسيحيون أن ملح الأرض يجب أن يكون في الأرض وليس في برطمانات من الكريستال على مقاعد الكنائس حول الأيقونات والبخور وترانيم الإنجيليين، وأن نور العالم لا ينبغي أن يختبئ  تحت المكيال لئلا تطفأه الرياح فيطفؤه غياب الأكسجين. أقول للمسيحيين، وأنا هنا أتكلم بجرأة أكبر لأني منهم، لا تستعجبوا أن ظن الآخرون أنكم تضاجعون النساء في الكنائس وشربون الخمور وتخبأون الأسلحة في الأديرة فأنتم منذ آلاف السنين سر مكنون ولغز مدفون. تصلون بلغة لا يفهمها أحد. وحتى إذا تكلمتم بالعربية فلا يفهمكم أحد. الأرثوذكس منكم متهمون بالانعزال  والعمالة للنظام الحاكم والبروتستانت منكم متهمون بالعمالة والانتماء للغرب. الثورة سوف تغيركم وتخرج بكم إلى الشارع حيث كان سيدكم دائماً. لقد كنا نصلي من أجل شعبنا ومن أجل الفقر والفساد ولكي يقع الحاجز الذي بيننا وبين أهلنا وها هو يقع وسيقع من داخل قلب الكثير من المسيحيين لكن أيضاً  يوجد من وصل الصدأ إلى أعماق قلوبهم. هؤلاء سوف يتحولون إلى أيقونات فريسية في الكنائس ويسوف يتجاوزهم التاريخ وتتجاوزهم الثورة وليس ذلك فقط بل سوف يتجاوزهم أيضاً ملكوت الله ويسبقهم إليه أناس لم يتصوروا في يوم  من الأيام أن يكون هؤلاء من بني الملكوت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق