الاثنين، 19 أغسطس 2013

الحق والرحمة


كعادة الأزمات الطاحنة، التي تُدمي القلب، فهي أيضاً تَكشِف وتُعَلِّم. وأتصوَّر أن أهم ما أتعلَّمه الآن وأريد أن أُشارِك به، هو ذلك الاتزان والتوتّر الجدلي القائم دائماً بين العدل والرحمة.
(وبالمناسبة التوتر الجدلي بين شبه نقيضين يجتمعان؛Paradox هو مصدر الحياة فتيار الكهرباء ينشئ من السالب والموجب، والحياة تنشئ من الذكورة والأنوثة)

أما بالنسبة للحياة الروحية التي قد بثّها الله في الإنسان ويدعوه إليه دائماً فهي تنشأ من توترٍ جدليٍ دائمٍ  بين الحق والعدل من ناحية والرحمة والغفران من ناحية أخرى.
 فإن كنا نقول أن العلامة المائية للإيمان الحقيقي بالإله الحقيقي هي المحبة وليست التوحيد، فالشيطان يعرف ويؤمن أن الله واحد، بل ويقشعِّر من ذلك الإيمان، إلا أن ليس لديه محبة.
وما هي المحبة التي نقصدها؟
المحبة التي أعلن الله أنها صميم طبيعته: "الله محبة" ،تحوي داخلها اتزاناً دقيقاً  وتوتراً جدلياً دائماً dialectic بين العدل والرحمة.

العدل محبة... والرحمة محبة....

الله يبدأ بالرحمة في التعامُل معنا، لأننا نحتاجها، فنحن خُطاة. لذلك فإن الرحمة والأمانة (النعمة، أو القبول غير المشروط) تتقدمانه، وبهما يصبر ويتأنى ويعطي فرصةً تلو الأخرى. لكن هذا لا ينفي أبداً أن العدل والحق قاعدتيّ كرسيه.

أما نحن البشر الفاسدون، فيظهر اضطرابنا بوضوح عندما نُغلب الرحمة على العدل أو العدل على الرحمة. وإذا فتحنا الصورة قليلاً سوف نجد أن:

* العدل بدون رحمة ينتقص من المحبة، لأن المحبة دائماً تصبر وترجو وتعطي فرص (وهذه هي الرحمة)

*  والرحمة بدون عدل تنتقص من المحبة أيضاً، لأن غياب العدل، وإن كان يبدو حُباً لمن لا تمارس العدل معه، فهو كراهية لمن سوف يتأثر بغياب العدل وإن كنت لا تراه الآن أمامك.

العدل رحمة والرحمة عدل، والاثنان معاً في توازن جدلي دقيق هما المحبة الحقيقية.

ولعل الأحداث التي تمر بها مصر تكشفنا أمام أنفسنا وتكشف ميلنا للعدل على حساب الرحمة أو الرحمة على حساب العدل، وهذا يعني أن محبتنا ناقصة، وهذه هي الحقيقة البشرية الأكثر مأساوية. لكننا نكتشف أيضاً أننا كلما اقتربنا من الله وزاد انطباع صورته فينا، كنا أقرب شيئاً فشيئاً للاتزان بين العدل والرحمة.

وبالنسبة لي شخصياً، توجد قضية لا تتوقف عن أن تُعَلِّمني دائماً توازن العدل والرحمة، وهي قضية المثلية (الشذوذ الجنسي)، وهي من القضايا الكاشفة بشدة لأزمتنا مع المحبة، وأزمتنا مع غياب الاتزان الدقيق بين العدل والرحمة داخلها.

* أوربا في العصور الوسطى، والشرق العربي الآن يمارس "غياب الرحمة" مع المثليين ويتّهم من يرى أنهم "مرضى" أنه يُدَلَّلهم ويرى أنهم ينبغي أن يعاقبوا، إلى درجة القتل، ويرى أن هذا هو "العدل" وهذا غياب صارِخ للمحبة. وعدم فهم لحقيقة الأمر وهو أنه ليس تماماً باختيارهم، فهناك عوامل وراثية وعوامل تنشئة حدثت في سنوات العمر الأولى، أدّت إلى هذه الميول، وإن كانت الممارسات خاضعة (نسبياً) للإرادة.

* أوربا الحالية، وبعض من تأثروا بالفكر السائد فيها حالياً، يمارسون غياب الحق، فتحت شعار قبول المثليين وحقوق الإنسان تم التصالح مع "المثلية" نفسها كمرض وهذا في ظاهره "رحمة" لكن في باطنه عذاب، وكلام حق يراد به باطل. فعندما يغيب الحق (العلمي) تتحول الرحمة إلى كراهية وليس إلى حُب.
فتحت هذا الشعار، يتم دفع المراهقين (الذين ربما يعانون من بعض الاضطراب في الهوية الجنسية في فترة المراهقة) نحو المثلية، التي ثبت بالدليل القاطع (الذين يحاولون التغطية عليه من جانب نفس الإعلام الذي يدافع الآن عن الإرهابيين بدعوى حقوق الإنسان)، ثبت بالدليل القاطع أن المثلية تؤدي إلى أغلب الاضطرابات النفسية وبالتحديد الاكتئاب الذي يؤدي للانتحار، هذا فضلاً عن الإيدز بالطبع. فهذه الرحمة (الظاهرية  تجاه إنسان بعينه، هي عنفاً وقسوة ضد أجيال أخرى.

* قبول المثليين غير المشروط والرحمة معهم ومراعاة حقوقهم وعدم حبسهم بسبب ميلهم (أو حتى ممارستهم المثلية) رحمة ومحبة، لكنها لا ينبغي أبداً أن تتحول إلى موافقة على المثلية لأن مثل هذه الموافقة تُعَدُّ "كراهيةً" لأجيال قادمة.

* الشفقة والترحُّم على الذين ماتوا بسبب أفكارهم المشوشة، وحتى بسبب أفعالهم الإرهابية، وعدم الشماتة فيهم، رحمة ومحبة، لكن لا ينبغي أن تتحول أبداً إلى التصالح مع الإرهاب والتهاون معه، أو مع هيبة الدولة وسيادة القانون، فهذا التهاون هو ظلمٌ  وكراهية وعدم رحمة لآخرين تسيل وسوف تسيل دماءهم بسبب الإرهاب والإجرام وغياب هيبة الدولة.


أستطيع أن أرى كثيراً في قلبي أنا شخصياً ميلاً للرحمة على حساب الحق، وميلاً للانتقام على حساب الرحمة والمحبة. لكن هذا هو "فسادي" الإنساني الذي عليّ أن أقاومه وأميته كل يوم،
هي ذاتي المزيفة الميتة التي  ينبغي أن أميتها كل يوم لكي أحيا. وأنمو. أنمو نحو صورة الله المطبوعة في أعماق كل إنسان والتي يدعوه الله إليها كل يوم. صورة  المحبة التي تحوي بداخلها اتزاناً عجيباً ورائعاً وصانعاً للحياة ،بين الحق والرحمة. البر والسلام.



هناك تعليقان (2):

  1. المزمور رقم 112

    1 هللويا طوبى للرجل المتقي الرب المسرور جدا بوصاياه* 2 نسله يكون قويا في الارض جيل المستقيمين يبارك* 3 رغد و غنى في بيته و بره قائم الى الابد* 4 نور اشرق في الظلمة للمستقيمين هو حنان و رحيم و صديق* 5 سعيد هو الرجل الذي يتراف و يقرض يدبر اموره بالحق* 6 لانه لا يتزعزع الى الدهر الصديق يكون لذكر ابدي* 7 لا يخشى من خبر سوء قلبه ثابت متكلا على الرب* 8 قلبه ممكن فلا يخاف حتى يرى بمضايقيه* 9 فرق اعطى المساكين بره قائم الى الابد قرنه ينتصب بالمجد* 10 الشرير يرى فيغضب يحرق اسنانه و يذوب شهوة الشرير تبيد

    ردحذف
  2. كيف احب ارهابى قاتل؟ ، كيف اطلب له الرحمة؟ معلش صعبة على جدا ، بحاول اصلى ان الله ينزع من قلبه الغل و الكراهية ، لكن معرفتش اطلب انى احبة.
    الموقف ده كان واضح جدا بعد حادثة فض الاعتصامات.

    ردحذف