الأحد، 5 أبريل 2015


34

عَموَاس

بعد صلاة الساعة التاسعة (العصر) خرج حلفي (كليوباس) وتلميذٌ آخر من تلاميذ يسوع اسمه داود، من حُدودِ مِدينةِ أورشليم، آخذين الطريق النازل إلى عمواس وهم يُسرِعون الخُطى لكي يصلوا إلى هناك قبل حلول المساء.
-        كما أقول لك تمامًا، لقد جاءت النساء مُبَكِّرات جدًّا والظلام باقٍ إلى القبر حاملات الزيوت والعطور فَوَجَدنَ الحَجرَ قد دُحرِجَ عَن القبرِ.
-        كيف يمكن يا عَمِّ حلفي؟ من عَسَاهُ يَكونُ قد دَحرَجَ الحجر، وفرقةٌ رومانيةٌ كاملةٌ كانت تحرسَهُ؟
-        هذا ما سمعناه، لا أدري يا بُنيَّ.
-        أنت تعرف النساء يبالغن وتغلبهُنَّ مشاعرهنَّ، ربما ذهبن إلى قبرٍ آخر مفتوح.
-        لقد ذهبن بعد ذلك إلى التلاميذ، وذهب بطرُسُ بعدهن إلى القبر وبالفعل وجد الأكفان موضوعةً كما هي بترتيبها كما لو كان يسوع قد انْسَلَتَ منها بشكل عجيب.
-        هذا أعجب من الخيال.
-        ألم تكن هذه السنوات الثلاث كلها أعجب من الخيال يا داود؟
-        بلى.

اقترب منهما أحد المسافرين وحيَّاهما: « السلام لكما أخواي. أعذراني، سمعتكما رغمًا عني تتحادثان عن أمور غريبة، فاسمحا لي أن أسأل، ما هي هذه الأمور بالتحديد؟»
تَوَقَّفَ حَلفي وداود وعَبَس وجهاهما كما لو كان الغريبُ قد أهانَهُما، ثم قال حلفي بلهجة هجومية: «لا بد أنك الشخص الوحيد في أورشليم الذي لا يعرف ماذا حَدث في الأيام القليلة الماضية
-        ما الذي حدث؟
قال داود وهو لا يزال مستنكرًا أن يوجد أحدٌ في أورشليم لا يعرف ما قد جرى: «إنها الأمور المتعلقة بيسوع الناصريِّ. لقد كان رجلًا نبيًّا مقتدرًا في الأقوال والأفعال أمام الله والناس، وقد أسلمه كبار كهنتنا وحُكَّامنا للرومان ليُحكم عليه بالموت وصلبوه. ثم أضاف حلفي في أسى: لقد كُنَّا نأمل أنه المسيا الذي سيحرر بني إسرائيل، لكنَّه قد مات وهذا هو اليوم الثالث له في القبر.»
-        وإلى أين أنتما ذاهبان؟
-        نحن ذاهبان إلى عَمواس كَمَا تَرَى. سوف نعود إلى بيوتنا وأعمالنا بعد أن عشنا مَعَهُ ثلاثِ سنواتٍ كاملةٍ، كانت أقرب إلى الحُلم.
-        لكن الحُلم انقضى وظَهرَ أنه وَهمٌ كبير.
-        عفوًا، منذ دقائق سمعتكما تتكلمان عن قبر ونسوة وأشياء كهذه.
-        نعم، لقد أذهلتنا بعض النسوة من جماعتنا اليوم. فقد ذهبن إلى القبر ليستكملن تَحنيظ جَسَدهَ بعد مرور السبت، لأنه دُفِنَ على عَجلِ لأن السبت كان على وشك أن يبدأ. لكِنِّهُنَّ لم يَجدن جَسَدَهُ، وجئن وأخبرننا أنَّهُنَّ رأين ما يشبه ملائكة أخبروهن بأنه حَيٌّ.  فذهب بعضٌ من جماعتنا إلى القبر ووجدوه فارغًا كما قالت النساء، لكنهم لم يَرَوه.
-        ألهذا الحدِّ أنتما غبيَّان وبطيئا الفهم في الإيمان بكل ما قاله الأنبياء؟
-        ماذا؟ كيف تُكلِّمنا بهذه الطريقة وأنت لا تعرفنا؟
-        ألم يكن مكتوبًا في الناموس والأنبياء أن المسيح ينبغي أن يحتمل الآلام، ويموت ثم يقوم ويدخل في مجده؟
-        كيف هذا؟
-        عَمَّن كان يتكلم إشعياء النبيُّ عندما قال: «لكنه رفع اعتلالاتنا، وحمل أمراضنا، ونحن ظَنَنّا أن الله يضربه ويُذِلُّه. لكنه جُرِحَ بسببِ معاصينا، وسُحِقَ بسبب آلامِنا. وَقَعَت عَلَيهِ عُقوبتُنا، فنعمنا بالسلام وعَمَّن كان يتكلم داود النبي في مزموره الثاني والعشرين عندما قال: «أحَاطَ بي الأشرارُ كَكِلابِ باشان. أطبقت عليَّ جماعةٌ من فاعلي الشر، وكأسدٍ ثقبوا يديَّ ورجليَّ، أرى كل عظامي، وهم يُحدِقون بي ويتفرَّسون فيَّ، يقتسمون ثيابي فيما بينهم، وعلى قميصي يقترعون.» هَل ثَقَبَ أَحَدَهُم يَدَيّ داود الملك ورجليه؟ مَتَى عُرِّي داود وحدَّق فيه الناس رائين كل عظامه؟ هل اقتسم أحدٌ ثياب الملك داود والقى قُرعةً على قميصه؟ أم كان يتكلم بروح النبوة عن ابن داود، المسيح الذي سوف يأتي من نسله؟ وقدعُرِّيَ وصُلِبَ على خشبةٍ وثَقَبوا يديه ورجليه وقسموا ثيابهم بينهم وألقوا على قميصه قُرعةً؟

صاح حلفي (كلوبا): «نعم هذا صحيح، مريم زوجتي كانت واقفةً عند الصليب ورأت الجنود الرومان يقتسمون ثياب المعلم وألقوا قرعةً على قميصه الذي كان مُخاطًا كُلَّه قطعةً واحدةً. يا إلهي، هذا صحيح، كيف لم ننتبه إلى هذه النبوات؟ أنت تعرف كل ما حدث إذًا أيها الغريب»
-        وعن القيامة أيضًا؟
-        هل توجد في الكتابِ أيضاً نبوَّات عن قيامة المسيح من الأموات؟
-        ألم يقل داود عنه:
رأيت الربَّ أمامي دائمًا
هو عن يميني فلن أضطرب.
لهذا فرح قلبي،
وابتهج لساني،
جسدي أيضًا سيحيا بالرجاء.
لأنك لن تترك نفسي في الهاوية،
لن تدع جسد قُدُّوسك يتعفَّن.
عرفتني طُرُق الحياة.
وستملأني فرحًا بحضورك.
أَلَم يمُت دَاوُدُ وتَعَفَّن جَسَدُهُ وقَبرُهُ مَوجودٌ هنا عندنا حتى الآن؟
-        بلى
-        لقد كان داود يتكلم بروح النبوة عن المسيح، ابن داود. فرأى قيامة المسيح قبل حدوثها فقال إنه لن يُترك في الهاوية، ولن يتعَفَّن جسدُهُ.

-        من أنت أيها الغريب؟ من أين لك بهذه المعرفة؟
-        لقد مرَّ الوقت بنا بسرعة، ها نحن نقترب من عمواس.
-        أترككما إذًا في رعاية الله.
-        لا... لا... ابقَ معنا. نحن نُحِبُّ حديثك. ثم إنّهُ قد اقتربت الشمسُ على المغيب. لا تمشِ في الطريق بمفردك تحت جُنحِ الظلام. امكث معنا وفي الصباح واصِل مسيرك.
-        حسنًا شُكرًا لكما.

دخل الرجال الثلاثة إلى البيت، وأُعِدَّ العشاء واتكأوا إلى المائدة. مدَّ الرجل الغريب يده أولًا على الخبز وكأنه هو صاحب البيت، وشكر الله قائلًا: «أحمدك يا رب السماء لأنك تُخرِج الخبز من الأرض لتُطعِم الإنسان.» ، ثم قَسَّم وناولهما.
-        من؟ من أنت؟
-        إنه هو. إنه يسوع. أنت يسوع، أنت يسوع.
قبل أن يستطيعا أن يلمساه، اختفى عن عينيهما.
-        ماذا؟ هل هذا حُلم؟
-        هل نَحلُم ونحن سائران؟
-        وهل يحلم اثنان معًا نفس الحُلم؟
-        ألم يكن قلبانا مُتَّقِدين فينا عندما كان يُكلمنا في الطريق؟
-        نعم، نفس الشعور الذي كنا نشعر به عندما كنا نستمع إلى تعليم يسوع.
-        بل وأعمق وأقوى بكثير، هيا بنا ننطلق حالًا إلى أورشليم.
-        في الليل؟
-        نعم في الليل فأنا لا أستطيع أن أنتظر للصباح.


وَصَل حَلفي وداود لأورشليم مع خيوط الصباح الأولى، وبَحثا عن التلاميذ الاثني عشر، وقد صاروا أحد عشر بعد خيانة يهوذا الإسخريوطي وانتحاره:

-        صباح الخير يا رِفاق.
-        صباح الخير يا عم حلفي، صباح الخير يا داود، أسمعتما بالخبر؟ لقد قام الربُّ حقًّا. وقد ظهر لسمعان
-        نعم نعرف ذلك وقد ظهر لنا في الطريق إلى عمواس وشرح لنا الكثير من النبوات عن آلامه وقيامته.

وبينما هُم يتكلمون ظهر يسوع في وسطهم قائلًا: «سلامٌ لكم.»
-        يا إلهي... ما هذا؟
-        لماذا أنتم منزعجون هكذا؟ ولماذا تدور الشكوك في عقولكم؟ انظروا إلى يديَّ وقدميَّ. أنتم تقدرون أن تميزوا أنَّه أنا نفسي. المسوني وتأكدوا. هل تَستَطيعونَ لَمسَ الأَشباح؟ ليس للشبح لحمٌ وعظام كما ترون لي؟

وبعد أن قال هذا أراهم يديه وقدميه ومن فرحتهم، كانوا لا يزالون غير مُصَدِّقين ومذهولين، فقال لهم يسوع: « هل لديكُم ما يؤكل هُنا؟" فقدموا إليه قطعة من سمك مطبوخ، فأخذها وأكل أمامهم.»

-        هذه هي الأمور التي حَدَّثتُكُم عنها عندما كنت بعد معكم، فقد قلت لكم إنه لا بد أن يتحقَّق كلُّ ما كُتِبَ عَنِّي في شريعة موسى وفي كُتُبِ الأنبياء والمزامير. مَكتوبٌ أن المسيحَ لابُدَّ أن يَتأَلَّمَ، ويموت، ويقوم من الموت في اليوم الثالث، ولا بُدَّ أن يُبَشَّرَ باسمه لجميع الأمم ابتداءً من أورشليم، وأنتم شهود على تلك الأمور. ليس عليكم أن تُجَيِّشوا الجيوش وتفتحوا البلدان، كُلُّ ما عليكم هو أن تشهدوا للعالم أجمع بما رأيتم وسمِعتُم. لن تحتاجوا إلى قوةٍ عسكريةٍ أو ماليةٍ، ما سوف تحتاجون إليه هو قوة روحية من الأعالي، والآن امكثوا في أورشليم حتى يُلبِسكُم الله هذه القوة فتكونون لي شهودًا في أورشليم واليهودية والسامرة، وإلى أقصى الأرض. وعندما تشهدون يؤيد الروح القدس شهادتكم بشهادة عميقة في قلوب من يسمعون وبآياتٍ وعجائبَ.

اذهبوا إلى العالم أجمع، وبشروا جميع الناس، فمن يؤمن ويعتمد سيخلص، ومن لا يؤمن سيُدان. وهذه البراهين المعجزية تُرافِق الذين يؤمنون: البعضُ يُخرجون الأرواح الشريرة باسمي، وآخرون سوف يعطيهم الله أن يتكلموا بلغات جديدة لم يتعلموها، البعضُ سيستطيعون بقوة الروح القدس أن  يُمسِكوا الحَيَّاتَ بأيديهم وإِن شَرِبوا شيئًا سامًّا لا يضُرُّهم، ويضعون أيديهم على المرضى فيُشفَون. هذه هي القوة التي سوف تُقنِع من يبحث عن الحقيقة.

35

أقصى الأرض

-        عِشتُ عمري كُلَّهُ مُتسائلًا. أريد أن أعرف الحقيقة ـــــ تلك المعشوقة المُدَلَّلَةَ التي حَرَمَتني من راعوث وقَضَّت مضجعي ليالٍ طويلة. عشت أبحث عنها ولم أكن أُدرِكُ أنها هي أيضًا تبحث عَنِّي بقدر ما أبحثُ أنا عنها. والآن ها هي ماثلةٌ أمامي أَبهى من شمس الظهيرة. أذكُرُ اليوم الذي قُلتُ فيه إنني مستعدٌّ أن أموت من أجل الحقيقة، ولكن أين هي الحقيقة؟ في اليوم التالي رأيته واقفًا أمامي في المعصرة، ويوم َقُلتُ لبقية التلاميذ ونحن في طريقنا إلى بيت عنيا: «دعونا نذهب نحن أيضًا لكي نموت معه» وقتها كُنتُ بالفعل مُستعِدًّا أن أموت. يا لي من شقيّ! استعدادي للموت كان أقوى من استعدادي للتصديق.
-        لذلك تبحث عنك الحقيقة يا توما.
-        وأنا أشهد لك يا بنيامين، أنك أيضًا من الباحثين المُخلِصين عن الحقيقة.
-        لقد لَمَستها بيديّ يا توما، لقد صَدَّقت في قيامة يسوع لا لشيءٍ إلّا لأَنّي رأيتُ قَبلَها قيامةَ أختي إستير. رأيت تلك الخليقة الجديدة التي تنبعث في قلب الموت. لقد كانت حياتي وحياتها منذ طفولتنا أقرب للموت من الحياة. رُحتُ أبحث عن إحياءٍ بالدين، فلم أستطع. وفي اللحظة التي كُنتُ مستعدًّا لمقابلة الموت، عندما كنت على وشك أن أقتلها وأموت، قَابَلتُ الحياة.
-        كلامك هذا يُذكِّرني بقصة لعازر، هل تعرف ماذا حدث بعد أن ذهبنا إلى بيت عنيا؟
-        أعلم يا توما، وهل تَخفَى قصة إقامة لعازر هذه على أحدٍ في كُل اليهودية، رُبما هي ما عَجَّل بصدور حُكم السنهدرين على يسوع بالموت قبل أن يؤمن به الجميع.
-        وقتها، عِندَما كُنتُ مستعدًّا أن أموت، رأيت بعينيَّ الحياة. إنسانٌ مات وتَعَفَّن بعد أن صار له أربعة أيام في القبر، يناديه يسوع فيخرج من القبر، ومع ذلك لم أُصَدِّق.
-        لم تُصَدَّق ماذا؟
-   لم أُصَدِّق من قالوا إن يسوع قام، عندما ظهر للتلاميذ وهم مختبئون خوفًا من اليهود، لم أكن موجودًا، وعندما أخبروني، قُلتُ لَهُم: «لا أصدِّق إلا إذا رأيتُ آثارَ المسامير، ووضعتُ إصبعي فيها، ووضعت يديَّ في جنبه، مكان الحربة التي قد طُعِنَ بها وهو على الصليب.»
-        وماذا حدث بعد ذلك؟
-        بعد ثمانية أيام عندما كُنا مجتمعين كُلنا معًا، وكُنت معهم، فجأة ظهر يسوع، مع أن الأبواب كانت مغلقةً، فوقف أمامنا وقال لي: «تعالَ وضَع إصبعك هُنا وانظر إلى يديَّ، كفاك شكٌّ وآمن.»
-        لقد جَاءَكَ لأنك تشُكُّ شكًّا شريفًا. تَشُكُّ شَكَ من يريدُ أن يعرف الحقيقة مهما كانت، لا شكَّ من يريد أن تكون الحقيقة وفقًا لهواه.
-        ويالَألمِ هذا الشكِّ الشريف يا بنيامين يا أخي!  
-        لذلك لا يقوى عليه الكثيرون، أتعرف؟ لست وحدك من فعل يسوع هذا معه، لقد ظهر أيضًا ليعقوب
-        ابن زبدي؟
-        لا بل يعقوب أخيه الذي لم يَكُن مؤمنًا به في حياته، وهو الآن معنا، ومن أقوى المؤمنين بالقيامة.
-        أتعرف يا بنيامين، هذا في رأيي أقوى دليل سوف يقنع إخوتنا اليهود، والعالم كُلَّهُ بحقيقة قيامة المُعَلِّم.
-        كيف يا توما؟
-        إذا كان المؤمنون بقيامة يسوع والمُنادون بها، هم فقط مَن كانوا مؤمنين به في حياته، فرُبما يظنُّ الناسُ أن قلوبهم تخترع أمرَ القيامة هذا لكي يعيشوا في نفس الوَهم الجميل الذي عاشوا فيه من قبل. أما عندما يؤمن بالمسيح من لم يكونوا مؤمنين به في حياته، أو من فقدوا إيمانهم به بعد موته، ثم عادوا للإيمان، فلابدَ أن حَدَثًا جَلَلًا كالقيامة قد حدث وهو الذي جَعَلَهُم يؤمنون أو يعودون للإيمان أقوى مما كانوا، مع كَون الإيمان به قد أصبح الآن خاليًا من أي مجدٍ أو منفعة، بل صار يحمل خَطرَ المَوتِ على المؤمنين.
-        صحيح، لم أُفَكِّر من الأمر من هذه الزاوية يا توما؟  
-        إن ما يُرهقني يا بنيامين، هو أنني دائمًا ما أُفَكِّر من كل أمرٍ من كُلِ زاويةٍ مُمكنة.
-        هذا مرة أخرى هو الشكُّ الشريف يا توما.
-        هل تعرف فيم كُنتُ أُفَكّر أيضًا؟
-        بعد أن سمعت تلك الأخبار عن قيامة يسوع، قُلت في نفسي: «هذا ما كان ينقصنا!»
-        ماذا تقصِد؟
-        بعد أن مات يسوعُ،  بالطبع فقدت إيماني بأنه المسا، لكنني ظننت أنه نبيٌّ مقتدر كسائر الأنبياء الذين جاءوا والذين لم يَفهَمَهُم عَصرُهُم وقتلوه القادة والحُكَّام مثلما قتلوا المعمدان وغيره. أما عندما قال لي إخوتنا إنه قام ولم أُصَدِّق، قُلت إن الإخوة قد لَعِب بعقولهم الحُزنُ والألمُ، بالإِضافة إلى الدِيانات الوثنية المنتشرة، فاخترَعَتْ لهُم عقولهم فكرة «القيامة» هذه.
-        تقصد ديانات الإله الذي يموت ويقوم؟
-        وليس ذلك فقط، بل إن ديانات وثنية كثيرة، بها نفس تلك الأسطورة المتكررة، عن «ابن الإله» الذي يُحبَلُ به بمعجزةٍ، ثم يموت، ويقوم.
-        كل هذا تقرأه يا توما؟
-        نعم، أنت تعرف أن كل الحضارات موجودةٌ عندنا وخاصة شرق الأردن، وفي صور وصيدا، لقد أصبح كُلُّ شيء مُتاحًا في ظل الحُكم الروماني، ويأتي لنا الشتاتُ من كُلِّ الأمم حاملين ثقافات تلك الأمم وكُتُبِها.
-        ليس الاحتلال الروماني كُلُّه سيئًا إذًا.  والآن كيف كُنتَ تُفَكِّر في هذه الأمور؟
-        بعد ما رأيت بعينيَّ ولمست بيديَّ أن يسوع بالفعل قد قام من بين الأموات، أستطيع أن أقول إن هذه الأساطير الموجودة في أممٍ قديمةٍ وبعيدةٍ عن بعضها ومُتَكَرِّرة بصورة شبه واحدة، من أوزير وحورس في مصر القديمة، إلى كرشنا في الهند، إلى ديانة مثرا، وحتى إلى أسطورة الإسكندر الأكبر الذي حبلت بيه أوليميبياس من زيوس الذي كان مُتَجَسِّدًا في صورة إله ثعبان، ليست سوى شيئًا واحدًا يتكرر بنفس الصورة في أماكن مختلفة.
-        وما هو هذا الشيء الواحد؟
-        إنَّهُ وَحيُ اللهِ لتلك الأمم الوثنية البعيدة.
-        وحي الله؟
-        نعم لقد أعطانا الله نحن العبرانيين الناموس، والنبوات العديدة عن المسيح الذي يولد من عذراء كما يقول إشعياء النبي القديم، ويتألم ويموت ويقوم حيث لا يرى جسده فسادًا، أما الأمم الأخرى الذين ليس لهم الناموس، كيف يُعِدُّهم الله لقبول رسالة المسيح؟ تُراهُم قد سقطوا من رحمة الله؟
-        تقصد أن الله أرسل لهم تلك الأساطير؟
-        نعم إنها تلك الأحلام الطيبة التي أرسلها الله إلى قلوب البشر في تلك الأمم لكي تكون مستعدةً لقبول رسالة المسيح، وأظن أن هذا هو ما سيجعل الإيمان بقيامة يسوع ممكنًا بالنسبة لهم، وهكذا سوف يخرُج بقوة الله إلى خارج حدود هذه المنطقة بدون فتوحات وسلاح، وإنما بعمل الله الروحيِّ في القلوب، ليس فقط من خلال المعجزات التي تراها العين، ولكن أيضًا عمل الله السرِّي في القلوب منذ فجر الخليقة ومن خلال الأساطير والأديان الوثنية التي لديهم.
-        أتتصور أن الإيمان بالمسيح سوف يذهب إلى كل تِلكَ الأمم التي تتكلم عنها، هكذا بدون حملات عسكرية أو حتى قوافل تجارية؟
-        عندما أرسلنا المسيحُ إلى القُرى والمُدُن المجاورة، قال لنا ألا نحمل حتى عصا في الطريق، ولا مالًا، لكي تكون بشارتنا فقط بالكلام وبقوة الله، الذي يشهد ويؤيد الكلام بالمعجزات. وعندما أتوا ليقبضوا عليه في البستان، واستل بطرس سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة وقطع أذنَه، أعاد يسوع الأذُنَ المقطوعة وقال لبطرس إن من يأخذون بالسيف، بالسيف يؤخذون. لقد علَّمنا يسوعُ كيف تكون شهادتنا عنه. وعَلَّمنا كيف أن مُلك الله يختلف عن مُلك البشر.
-        هل تتوقع أن ينتشر الإيمان بالمسيح بين الأمم؟
-        نعم، وسوف يظهر عندئذٍ أن أساطير الأمم قد أَعَدَّت قلوبهم لقبول الإيمان. وأستطيع أن أقول لك إن الإيمان بقيامة المسيح، سوف يكون الإيمان الوحيد الذي يخرج خارج نطاق نشأته، بدون فتوحات عسكرية.
-        وذلك لأن الله منذ القديم، قد جَهَّزَ القلوب له؟
-        نعم يا بنيامين.
قام توما من جلسته مع بنيامين وقال في حماس: «أتعرف ماذا يدور في عقلي الآن يا بنيامين؟»
-        ماذا يا توما؟
-        أريد أن أذهب إلى أقصى الأرض كما قال السيِّدُ.
-        أين؟
-        أريد أن أذهب للهند.
-        الهند؟
-        نعم لأرى بنفسي ما كُنتُ أقوله لك. أريدُ أَن أَرَى وَقَع بِشارة قيامة المسيح على هؤلاء الهندوس الذين لم يقرأوا ناموسًا أو شريعةً.
-        يا لها من فكرة يا توما!

-         

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق