السبت، 4 أبريل 2015


30

استير في أورشليم

جَاءَ يومُ الاحتفال الأخير العظيم من العيد الذي ينتظره الجميع. الكُلُّ سعيدٌ بخَتم قِراءَة التوراة على مَدَار السنة العبرية الماضية، والجميع يشعر بالرضا لإتمام طقوس العيد بما فيه من محرقاتٍ وتَقدِماتٍ على أكمل وجه. ازدانَت أورُشَليمُ كُلُّها كعروسٍ تنتظر أن تُزَفَّ إلى عريسها. الهَيكَل ملفوفٌ كُلُّه في غُلالة من الدُخان بسبب العَدَدِ المَهول من المُحرَقات والتقدمات والذبائح والسكائب التي تُقَدّم للرب، وأورشليم كلها غارقة في رائحة الشواء. اللحوم تُوَزَّع على الفقراء بغير حساب. الكل فرحان ومبتهج، والجميع ينتظر اللحظة التي تُشَكِّل ذُروة الاحتفال بالعيد حين يقف رئيس الكهنة على مِنَصَّة عالية ويؤتَى بالإناء الذهبيّ من الهيكل وقد ملأوه بالماء من بِركة سلوام التي تقع خارج أسوار المدينة، ويسكبه رئيسُ الكهنة على الأرض أمام الجميع تذكارًا للماء الذي فَجَّره الربُّ من صخرةٍ لكي يسقي شعب إسرائيل في البَرِّيَّة، مُرددًا الأصحاح الثاني عشر من نبوة إشعياء النبي.

تأخَّر الكاهن الذي كان قد ذهب ليأتي بالماء من البِركة، والجميع في حالة تَرَقُّب...
-        ها هو آتٍ من بعيد.
-        هيا فليبدأ الترنيم.
-        هللويا، سبحوا يا عبيد الرب. سبحوا اسم الرب، ليكن اسم الرب مباركًا. هللويا...
-        لا ليس هو...
تتوقف الصنوج والدفوف والآلات في فَوضَى موسيقية...
ويُعَنِّف قائد فرقة الترنيم أعضَاءَ فِرقَتِهِ بكلماتٍ ضَغَطَ عليها لكي لا يسمعها أحد، وفي نفس الوقت تكون صارمةً عنيفةً، واستعان بتقطيب وجهه لأقصى درجة للتعويض عن انخفاض الصوت المكتوم...
-        قُلتُ لا تبدأوا العزف إلَّا عندما يأتي الكاهن إلى ساحة الهيكل. لا تستمعوا للأطفال...

توسَّطت شمس تشرين (سبتمبر– أكتوبر) الوديعة كبد السماء، والرياح اللطيفة تَمرَحُ في ساحة الهيكل، وتعبث بالراياتِ وسِعَفِ النَخيل وأفرع الأشجار كثيفة الأوراق التي أحضرتها كل أسرة معها لتَزيين الساحة في هذا اليوم الذي ينتظره كل اليهود من السنة للسنة.

-        من هذا الذي يقترب من منصَّة رئيس الكهنة؟
-        إنه يسوع.
-        كيف يجرؤ؟
-        لَعَلَّهُ يقولُ شَيئًا جديدًا. أتمنى أن أسمع شيئًا مختلفًا بدلًا من الطقوس التي نعرفها كُلَّها عن ظهر قلب ونُكَرِّرها على أنفسنا سنة بعد سنة.
-        الذكرى مُهِمَّة.
-        لكن الكاتب المُتَعلِّم في ملكوت الله يُخرِج دائمًا من كنزه جُدَدَا وعُتقاء. لقد سمعت يسوع يقول هذا.



وقف يسوع وحَسَر شاله عن رأسه فرآه الجميع، وبدأ الجمعُ كله يُسبِّح الله دون أن يأذَنَ أَحَدٌ بذلك، ودون أن  تعزف فرقة الترنيم.
... الرَّبُّ عَالٍ فَوقَ كلِّ الأُممِ... الرَّبُّ عَالٍ فَوقَ كلِّ الأُممِ.
... فَوقَ السَّمَاواتِ مَجدُه.
... مَنْ مِثلُ الرَّبِّ إلهِنَا؟
... مَنْ مِثلُ الرَّبِّ إلهِنَا؟
.. مَنْ مِثلُ الرَّبِّ إلهِنَا؟
.. السَّاكن فِي الأَعالِي.
... هللويا... هللويا... سَبِّحُوا يا عبيد الرَّبِّ. هللويا... هللويا... سَبِّحوا اسمَ الرَّبِّ.

ارتجَّت ساحةُ الهيكلِ بالترنيم والفرح بعد أن اعتلى يسوع المنَصَّة الموضوعة في ساحة الهيكل، فالشعب كله كان مُتَعَلِّقًا به، وكثيرون رأوا معجزاته وتعليمه، وآمنوا أنه هو المسيح.
فنادى يسوع بأعلى صوته...
-        الحقَّ الحقَّ أقول لكم: «إن عطش أحدٌ فليأتِ إليَّ ويشرب، من آمن بي تجري من داخله أنهار ماءٍ حَيّ




-        هذا هو النبيُّ حقًّا.
-        بل هو المسيح.
-        ما الذي يجعلك تقول إنه المسيح؟
-        هل تعتقد أنها صُدفةً أن اختار هذا التوقيت ليقول ما قال؟
-        ماذا تقصد؟
-        أتحفظ النبوة التي نقرأها في ذلك الوقت كل سنة؟
-        أعرف منها الجزء الذي يقول: « فَتَسْتَقُونَ مِيَاهًا بِفَرَحٍ مِنْ يَنَابِيعِ الْخَلاَصِ وَتَقُولُونَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: «احْمَدُوا الرَّبَّ. ادْعُوا بِاسْمِهِ. عَرِّفُوا بَيْنَ الشُّعُوبِ بِأَفْعَالِهِ»»
-        وتُختَتَم النبوة هكذا: "«صَوِّتِي وَاهْتِفِي يَا سَاكِنَةَ صِهْيَوْنَ، لأَنَّ قُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ عَظِيمٌ فِي وَسَطِكِإن كان يسوع هو المسيا، فبالتأكيد أنه اختار هذا الوقت بالذات لكي يقول إنه هو قدُّوس إسرائيل، العظيم الذي في وسطها.
-        لا... لا أنت تُبالِغ، أيَطَلَعُ المسيحُ من الجليل؟ أما قال الكتاب إنه يأتي من نسل داود؟ ومن قرية بيت لحم بالتحديد، أصلُ داود؟
-        هو مولودٌ في بيت لحم.
-        هل هذا صحيح؟ سمعت أنه من الناصرة,  
-        نعم عاش في الناصرة لكنه مولودٌ في بيت لحم. لقد وُلِد وقت الإحصاء الأول عندما كان كيرينيوس واليًا على سورية. يوسف أبوه كان يعيش في الناصرة، لكنه أصلًا من عشيرة داود في بيت لحم.
-        رُبما. لا أدري.


استفزَّ كلامُ يسوع مجموعةً من شباب الفريسيين كانوا واقفين في مكانهم الخاص في ساحة الهيكل، فحاولوا أن يُلقوا القبض على يسوع بتهمة الادِّعاء أنه المسيح، لكن الجمع الكبير حال بينهم وبين ذلك.
وانصرف الجميع كل واحدٍ إلى بيته، أما يسوع فذهب إلى جبل الزيتون ليُصلِّي طوال الليل.

*  *  *  *
كان بنيامين من بين الواقفين في ساحة الهيكل واستمع إلى ما يقوله يسوع، وأصابه ذلك بالمزيد من الحيرة. عقله لا يستطيع أن يقبل ما يقوله يسوع، بينما ظلَّ شيءٌ بداخله يشعر بالراحة عندما يسمع يسوع يتكلَّم، وينجذب إليه مثلما ينجذب الكثيرون من الشعب. ظلَّ بنيامين يُفَكِّر ويُناجي نفسه وهو خارج من غرفته في الخان الذي يقيم به في أورشليم  وهو سائر في طريقه للهيكل، عندما أفاقه من تأملاته صوتٌ قادمٌ من خَلفِه.
-        صباح الخير يا أخ بنيامين.
التفت بنيامين ليجد شاباً فريسياً بثيابه المُمَيَّزة ولحيَتَهُ الطويلة.
-        صباح الخير يا سيدي.
-        لعل الخان كان مُريحًا؟
-        نعم سيدي. لقد غمرتموني بكَرَمِكم، لا أدري كيف أرُدُّ لكم كل هذا.
-        لا تقل هذا يا بنيامين، أنت أخٌ عزيز.
-        هل سَمِعتَ ما قَالَهُ يَسوعُ في ساحةِ الهيكل بالأمس؟ ما رأيك؟
-        رأيي؟ وهل في ذلك رأي؟ لقد حَاول بعضُنا مع حُرَّاس الهيكل الإمساك به، لكنهم لم يستطيعوا. الوضع قد أصبح خطيرًا جدًّا.
-        ماذا تقصد؟
-        أقصد أنه حتى بعض حُرَّاس الهيكل بدأوا يتأثرون بكلامه. عندما لم يستطيعوا الإمساك به عادوا إلينا فسألناهم لماذا لم يقبضوا عليه، قالوا: «لم نسمع قطُّ إنسانًا يتكلم بمثل كلامه».
-        فماذا فعلتُم؟
-        وبَّخناهم بالطبع، لكن ما يُحَيِّرُني هو موقف نيقوديموس.
-        ومن هو نيقوديموس؟
-        إنه من شيوخنا وهو أحد أعضاء السنهدرين.
-        ما هو موقفه؟
-        لقد كان يُدافِع عن يسوع بطريقةٍ غريبة، ويريدنا ألا نَحكُم عليه قبل أن نسمع دفاعه عن نفسه. عجيبٌ أمره، هل يطلِعُ نبيٌّ من الجليل؟ المسيا يأتي من الجليل؟
-        نعم، هذا غير معقول.
-        اسمع يا بنيامين لقد أصبح كل شيءٍ جاهزًا، لقد أرسَلنا إليها رَجُلَنا ليلة أمس، وهو يبيت معها الآن، وسوف يتمُّ كُلُ شيءٍ بحسب الخطة الموضوعة.
-        أشعر بالقلق.
-        هذا طبيعيٌّ فالموقف سيكون صعبًا عليك. ليُهَوِّنُ اللهُ عليك يا أخي، هيَّا بنا إلى الهيكل.





كان يسوعُ قد عَادَ إلى الهيكلِ في الفجر بعد أن قضى الليلَ كُلَّه يُصَلِّي على جبل الزيتون، فاجتَمَعَ حَولَهُ جُمهورُ الشعب فجلس يُعَلِّمُهُم. بعد قليل أقبلت مجموعة من الفريسيين يدفعون أمامهم امرأةً، فتقع على الأرض، فيقومون بسحلها على الأرض حتى تقوم وتمشي، فيواصلوا دفعها وهم يَسبُّونها ويضربونها. ظلوا هكذا حتى جاءوا حيث كان يسوع جالسًا وحوله الجمهور. تزايد الناس تدريجيًّا حتى تَجَمَّعَ حَولَ يسوعِ وهؤلاءِ الفَريسيين كُلُّ مَن كانوا في الهيكل في ذلك الصباح.
تقدم واحدٌ منهم وقال بصوتٍ عالٍ ليسمع كُلُّ الجمع المُحتشِد حول يسوع: « يا مُعَلِّم هذه المرأة ضُبِطت وهي تزني في ذات الفعل. وقد أوصانا موسى في شريعته أن مثلها تُرجم، فما قولك أنت؟»  
كان بنيامين جالسًا وسط جمهور السامعين، وكُلَّما كانت المرأة تقترب، كانت ضربات قلبه تتسارع. وعندا أقاموها في المنتصف، كانت مُنَكَّسة الرأس فلم ترَهُ، أما هو فقد رآها وكان يعرف أنها اخته الكبرى إستير.

... آه ليتني متُّ قبل أن أوجَدُ في هذا المكان. يا إلهي ماذا سيحدث؟
... هل بالفعل أريد أن أَرجِم أختي الوحيدة؟ ما الذي هذا الذي فعلتُ؟
... لكنها تستحق هذا الفاجرة، كما أنهُ شرعُ الله.
..  فلتكن مشيئتك يا إلهي.
.. تُرى ماذا سيحدث؟

انحنى يسوع وبدأ يكتب بإصبعه على الأرض، ومضى وقتٌ طويل، والجموعُ كُلُّها شاخصةٌ نحوه والموقف في قمة التوتُّر...
صَاحَ الرَجُلُ بنفس الصوتِ العالي: «يا مُعَلِّم. لم تَرُدَّ علينا. موسى أوصانا بأن مثل هذه تُرجَم وهي قد ضُبِطت متلبسةً وهناك شهود، فما قولك؟»
لم يرُد يسوع ومضى يكتب بإصبعه على الأرض.
ثم بعد بُرهة، قام يسوع ونظر إلى جماعة الكتبة والفريسيين نظرةً طويلةً.
-        من كان منكم بلا خطيئة فليرمِها أولًا بحجر.
ارتبك الجميعُ، كمن لم يتوقعوا هذه الإجابة أبداً، ثم نظروا بعضهم لبعض في حيرة وبدأوا في الانسحاب واحدًا تلو الآخر، ابتداءً بالشيوخ الذين أخذوا جانبًا بعيدًا ودار بينهم حوار:
-        لم أتوقع هذا الرَدَّ مُطلَقًا.
-        لم يناقض ناموس موسى، وفي نفس الوقت لم يحكُم عليها بالرجم.
-        ألقى الكرة في ملعبنا.
-        فعلًا، لم يتكلم إنسانٌ بمثل هذه الحِكمة.  
-        لو قُمنا برجمهما فستقبض السلطات الرومانية علينا نحن لأننا عندئذٍ سنكون نحن الذين قررنا رجمها.
-        ماذا نفعل؟
-        فلننسحب ونحاول أن نبحث عن طريقة أخرى.
وقفت إستير في المنتصف وقد تجمَّدت أوصالها تمامًا وتعلَّقت عيناها بالأرض ولم تستطِع أن ترفعهما. أما بنيامين فكان جالسًا وسط الجمهور وقد ضم ركبتيه إلى صدره ودفن رأسه بينهُما ولم يُرِد أن يرفع رأسه أيضًا.
-        أين هم المشتكون عليك؟
حاولت إستير أن تَرُدَّ لكن صوتَها لم يَخرُج أول مرة، فجاهدت أكثر حتى خرج صوتها مشروخًا واهنًا: «لا أحد يا سيِّد
-        ولا أنا أحكم عليكِ، اذهبي ولا تعودي تخطئين.
وَجَمَت إستير ولم تحرك ساكناً للحظات. ثم ببطء استدارت وهي تريد أن تجري بأقصى سُرعَتِها لكيلا يُمسك بها أحد لكنها لم تستطع أن تُحَرِّك ساكنًا. بعد عدة دقائق، بدأ جسدُها يتجاوب، ومشيت ببطء. لم يكُن بطء جسدها بسبب الجراح والسجحات من طول ما سحلوها ودفعوها، بقدر ما كان من هول ما حَدَث ومن صدمة ما فعله وقاله يسوع.

ظَلَّت كلماتُ يسوعُ ترنُّ في قلب كلٍّ من إستير وبنيامين، لكن ما كان يتردَّد داخل إستير، كان مختلفًا عما كان في قلب بنيامين. ظلت عبارة: «ولا أنا أحكم عليكِ» تتردَّد داخل إستير بقوَّةٍ. لم تُفَكِّر فيها وفي معناها وأسبابها، بقدر ما كانت هذه العبارة قد تحولت إلى ما يُشبِهُ صخرةٍ كبيرة في عرض البحر، تَعَلَّقت إستير بها، بعد أن كانت تصارع الأمواج طيلة حياتها.  لم تقوَ، ولم تُرِد أن تُفَكِّر ما الذي جاء بهذه الصخرة إلى عرض البحر؟ وما هو معناها؟ كل ما كانت تفعله هي أن تتشبث بهذه الصخرة وهي تشعر بأمانٍ ودفءٍ لم تشعر به منذ أن كانت طفلةً رضيعةً.

أما بنيامين، فكانت عبارة أخرى هي التي تَرِنُّ بداخله: «من منكم بلا خطية فليرمِها بحَجَرٍ». كما لو كانت هذه العبارة سهمًا سدَّده يسوع إلى قلب بنيامين، فظلَّ بنيامين قابعًا في الهيكل وهو يدفن رأسَه بين ساقيه، ولا يقوى هو أيضًا على الحركة.



31

شَمعي بن داود

مَكَثَ يسوعُ في أورشليم في الفترة من عيد المظال في أكتوبر (تشرين) إلى عيد التجديد في ديسمبر (كانون). وكان عيد التجديد هذا من الأعياد المُستَحدَثة التي لم توجد في التوراة، واسمه بالعبرية «حنُّوكا»، والتي تعني «التدشين» (أي المسح بالزيت)، لذلك دُعي أيضًا «عيد التدشين». يأتي ذكر هذا العيد في سفر المكابيين الثاني، وهو خاص بذكرى انتصار وحُكم المكابيين لأورشليم الذي امتد فقط لمدة ثلاث سنوات. قبل هذه السنوات الثلاث، كان أنطيوكس أبيفانس، ملك سوريا قد هاجَم اليهودية ودَخَلَ هيكلَ أورشليم وأشاع فيه الخراب، ونهب نفائسه وفرض الديانات اليونانية على الشعب اليهودي، فاعتنقها كثيرون منهم. وكردِّ فعلٍ لذلك، تَمَرَّدَ أحدُ القادَة اليَهود واسمُهُ «مَتاتيا» وخرج مع أبنائه إلى الجبال وأعلن الحرب على أنطيوكس. فلما مات متاتيا، خَلَفَهُ في زعامة المتمردين ابنُه يهوذا الملقب بالمكابي. وقد ظل هذا يقاتل حتى استطاع الاستيلاء على أورشليم، وهناك وجد الهيكلَ وقد التهمت النارُ معظمَه وتَنَجَّس مذبح المحرقة بإقامة صنم بَعل «شاميم» عليه. وإذ لم يجد يهوذا وسيلةً لتطهير حجارته من الدنس، فهدمها كُلَّها وجاء بحجارةٍ جديدةٍ وأعاد بناء المذبح من جديد. لذلك يحتفلون بهذه الذكرى باعتبارها عيد التجديد.
كان اليهود يعتبرون هذا العيد من أَهَمِّ وأَعظَمِ أعيادِهِم، وكانوا يجعلون له من أسباب البهجة ما كانوا يجعلونه لعيدي الفصح والمظال، معتبرين أن تجديد الهيكل هو عودتهم مرة أخرى تحت مظلة الله، أو عودة حلول الله وسطهم، كما كان في أول خيمة في البرية، أو كما كان في تدشين هيكل سليمان حِينَمَا حَلَّ اللهُ بِبَهائِهِ ومِلَأَ الخيمةَ أو الهيكل. 

قَضَى يسوعُ هذِهِ الشهور في أورشليم في حواراتٍ مُحتَدِمةٍ مع شيوخ اليهود، وخلالها أيضًا خَلَق يسوعُ عينين لرَجُلٍ أَكمَهَ أي أعمى منذ ولادته. كان عجيبًا جدًّا أن يسوع قد فعل تمامًا كما هو مكتوب أن الله  فَعَلَه عندما جَبَلَ آدَمَ من التراب. فتفل يسوع في التراب أيضًا وجبل من التفل طينًا، ثم وضعه على عينيِّ الأعمى وقال له أن يذهب ويغتسل في بركة سَلوام، فذهب واغتسل وعَادَ بَصيرًا.
وذات مرةٍ، حينما كان يُفتَح باب الخراف في الهيكل لتدخل خراف الذبائح اليومية إلى الهيكل، وقف المسيح عند الباب ونادى قائلًا: «أنا هو باب الخراف. جميع الذين جاءوا قبلي كان لصوصًا وسُرَّاقًا، ولكن الخراف لم تُصغِ إليهم، أنا هو الباب، من دخل بي يخلص، ويدخل ويخرج ويجد مرعى».
-        يا مُعَلِّم من تقصد بمن جاءوا قبلك؟
-        كل من جاءَ وادَّعى أنه المسيا.
-        ولماذا تعتبرهم كَذَبَة؟
-        لقد أتيتُ لكي أُعطي حياةً لا لكي آخذ حياةً. الراعي الصالح يبذُلُ حياته من أجل الخراف، ولا يَبذُلَ الخرافُ حياتهم من أجله.
-        ومن هُم خرافُكَ إن كُنتَ أنتَ الراعي الصالح؟
-        خرافي تعرفني، ولي خرافٌ أخرى ليست من هذه الحظيرة لابد أن أجمعها إليَّ أيضًا.
بعد ما قاله يسوع صارت مباحثة بين السامعين...
-        هذا الرجل مجنون ويَسكُنُهُ شيطانٌ.
-        إنه يهذي. ما الذي يجعَلَهُ يَقِفُ هكَذا عند باب الخراف ويقول هذا الكلام الذي لا معنى له؟
-        لو لم يكن قد فتح عينيِّ الأعمى، لكنتُ أقول مثلك إنه مجنون أو به شيطان، لكن أيستطيع الشيطانُ أن يفتح عينيِّ المولود أعمى؟
-        وما في ذلك؟
-        الرجلُ  أَكمَه. إنه مولودٌ بلا عينين. لم تتكون عيناه في رَحِم أمه أصلًا. ليست هذه معجزة شفاء وإنما خلقٌ جديد. لقد خَلَقَ يسوع له عينان، أيستطيع الشيطان أن يخلق؟

وفي أثناءِ الاحتفالِ بعيدِ التِجديد، كان يسوع يَتَمَشَّى في الهيكل في قاعة سليمان، فتجمَّعَت حولهُ مجموعةٌ من اليهود...
-        حتى متى تُبقينا حائرين بشأنك؟ إن كُنتَ أنت المسيح حقًّا، فقُل لنا صراحةً.
-        قلتُ لكم ولكنكم لا تصدقون. والأعمالُ التي أَعمَلُها باسم أبي هي تشهد لي، ولكنكم لا تصدقون لأنكم لستم خرافي.
-        ماذا تقصد بأننا لسنا خرافك؟
-        خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها، وهي تتبعني وأُعطيها حياةً أبدية، فلا تهلك إلى الأبد، ولا ينتزعها أحد من يدي. الآب الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكُلِّ ولا يقدر أحد أن يتزع من يده شيئًا. أنا والآب واحدٌ.

فَرَفَعَ بَعضُ اليَهودِ عَليِهِ حِجَارةً ليَرجِموه وصاح أحدهم: «خَسِئتَ أَيُّها الكافر. الآن تأكدنا أن بِكَ شيطان، أنت تستحق الموت رجمًا والآن.»
أجابهم يسوع: «أأستَحِقُّ المَوتَ لأَنّي أَشفي العُميان وأقيم الموتى؟»
-        لا بل لأنك تساوي نفسك بالله.
-        إن كُنتُ لا أعمل أعمال الله فلا تصدقوني. أما إذا كنت أعمل أعماله، فصدِّقوا الأعمال التي ترَونها بعيونكم، قبل أن تُصَدِّقوا كلامي. أفَلا يستطيعُ الله أن يَحُلَّ فيَّ؟ أَوَلا يقدر الله على كُلِّ شيء؟
فانقضَّ على يسوع بعضٌ منهم يريدون القبض عليه، لكنه أفلت من أيديهم، ومن ذلك اليوم ترك يسوع أورشليم.

  *   *   *   *

عَبَر يسوعُ وتلاميذُه نهرَ الأردن إلى الناحية الشرقية شمالًا قرب عين نون حيث كان يوحنا يُعَمِّد ومَكَثوا في نواحي بِيريَّة حتى اقترب عيد الفِصح ثم بدأوا رحلتهم إلى أورشليم مرةً أخرى لحضور الفِصح، فعبروا الأردن مرةً أخرى إلى الغرب ثم أخذوا رحلتهم جنوبًا إلى أورشليم مرورًا بالجزء الجنوبي من الجليل ثم السامرة، وعندما اقتربوا من نواحي اليهودية تقدَّم إلى يسوع مجموعةٌ من الفريسيين يسألونه عن الزواج والطلاق.

-        هل يَحُلُّ للرَّجُلِ أن يُطَلِّقَ زَوجَته لأي سببٍ يراه؟
-        بماذا أوصاكُم موسى؟
-        أوصى موسى بأن تُكتَبَ وثيقة طلاق ثم تُطَلَّق الزوجة، لكيلا لا تُرجَم إن ضبطَت مع رجل.
-        إذًا فمن المُتَوَقَّع أنَّ التي يُطَلِّقها زَوجها، يمكن أن تضطرها الظروف لأن تبيع جَسَدها لتأكل؟ لذلك أقول لَكُم إن من يُطلِّق امرأته، إلا لعلة الزنى، فإنه يُعَرِّضُها لأن تزني، ويكون مُشارِكًا معها في الجريمة.
-        كيف يكون مُشارِكًا؟ لقد أَذِنَ لنا الشرعُ بذلك.
-        لقد أذِنَ لكم موسى بسبب قساوة قلوبكم.
-        ما معنى هذا؟
-        الإذن ليس هو القصد. ليست هذه التشريعات هي قصد الله النهائي للإنسان.
-        كيف؟
-        قصد الله النهائي للإنسان تَرَونَهُ في جَنَّةِ عَدنٍ قَبلَ الخَطِيَّة والسقوط، بل وأفضَلَ من ذلك.
-        والشرع؟
-        الشرع وضعه الله لتحقيق أفضل تنظيم مُمكِن لحياة مجموعة من الخُطاة، وذلك انتظارًا لأن يخلِقَهم الله من جديد في طبيعةٍ روحيةٍ جديدةٍ,
-        ما هذا الكلام الغريب؟
-        مُنذُ الطَردِ من الجَنَّةَ والإنسانُ يعيشُ في الخطية، مُنتظرًا الفداء، والحياة الأبدية. مُنتظراً مجيء مملكة الله.
-        وما قصد الله من الزواج؟
-        ما ترونه بين آدم وحواء في الجَنَّة. هذه هي خليقة الله قبل أن يُصيبها التَمَرُّدُ ويسكُنُها الشرُّ. منذ البدء خلق الله ذكرًا واحدًا لأنثى واحدةٍ. لذلك يترك الرجلُ أباه وأُمَّهُ ويلتصق بامرأته، فلا يكونا بعد اثنين، بل جسدًا واحدًا. فما جَمَعَهُ الله لا يُفَرِّقَه إنسان.
-        وكيف نعود لهذه الحالة؟
-        في مملكة الله.
-        كيف؟
-        في مملكة الله تُخلَقُ فيكُم خليقة جديدة تستطيع أن تعيش الحالة الفردوسية الأولى.
-        تمامًا؟ ومُباشرةً؟
-        بشكل ينمو كل يوم، بقدر الحُب والإيمان والطاعة.
-        ولا تكون هناك خطية؟
-        تظل الطبيعة الخاطئة القديمة تأمر بالسوء، لكن يكتسِبُ الإنسانُ سُلطانًا جديدًا عليها فعندما يُقمِعها، فتنمو به الخليقة الجديدة وتجعله يومًا فيومًا مشابهًا للطبيعة الإلهية.
-        ومتى تأتي مملكة الله؟
-        لا تأتي مملكة الله بمراقبة، ولا يقولون: «هوذا هي هُنا أو هُناك.» مُلكُ الله يُمكن أن يَحُلُّ في قلب الإنسانِ بالإيمان. بالثقة في الله وتصديقه وقبول عَمَلَه الجديد الذي سوف يعمله,
-        ما هو عملُ اللهِ هذا؟
-        ستعرف في حينه.

-        بعد انتهاء الدرس تجمع بعض الأطفال حول يسوع وراحوا يتزاحمون ليقتربوا منه، فصاح أحد تلاميذ يسوع: «ابتعدوا أيها الأولاد عن المُعلم ولا تتقافزوا حوله هكذا.» وعندما رأى يسوع ذلك انتهره سامحًا للأطفال أن يأتوا إليه وبدأ يُلاعِبَهم ويحتضنهم.

كان واقفٌ بين الجمع شابٌ اسمه شمعي بن داود، وهو أصغرُ أعضاءِ مِجلِسِ السنهدرين سنًّا، وقد انضم للمجمع منذ أيام. كانت لحظة انضمام شمعي للسنهدرين لحظةً مشحونةً بالمشاعر، حيث تَذَكَّرَ والده الذي تُوفِّي وهو لم يَزَل في السابعة من عمره وتركه مع أمه وطفلتين، الصغرى منهما كانت لا تزال رضيعةً. حين وضع الشيوخ عليه الأيادي وصَلُّوا، دار شريط ذكرياته كُلُّهُ أَمَامَ مُخيِّلته؛ كيف عاش حياة طويلة من الكفاح لكي يثبت لأبيه أنه قد «تَرَكَ رجلًا». نَمَت التجارة التي تركها له أبوه لدرجةٍ جعلته من أثرياء اليهودية الكبار قبل أن يصل إلى سن الثلاثين، لكنه كان دائمًا يشعر أن شيئًا ما يَنقُصُهُ.
سَمِعَ شمعي كَغَيرِهِ بالواعظ المتجول الذائع الصيت الذي يُدعَى يسوع الناصري والذي كان يأتي في رحلاتٍ خاطفةٍ من الجليل لليهودية ليُعَلِّم في المجمع. اهتَمَّ شَمعي بتَعليمِ يسوع، بل وحَضَرَ أَحَدَ دُروسَهُ ذاتَ مَرَّةٍ عندما  كان يجيءُ إلى أورشليم في العيد.

كانت عينا شمعي تتابعان المشهد من بعيد بتركيز بالغ وقلبه يتمنى لو استطاع أن يعودَ طِفلًا مثل هؤلاء الأطفال الذين يَتَسَلَّقون كتف يسوع ويحتضنون رأسه بأذرعهم الصغيرة بصورةٍ رأى فيها تلاميذُ يسوع انتقاصًا من وقاره.
في النهاية، اصْطَفَّ الأطفالُ صَفًّا وهم يتضاحكون ويتزاحمون، فيما بدأ يسوع يضع يده عليهم واحدٍ فواحدٍ ليباركهم. وكلما كان يضع يدَه على رأس واحدٍ منهم، كانوا يحاولون أن يكتموا ضحكاتهم احترامًا لوقار اللحظة. بعد أن بارك يسوع الأطفال، همَّ  باستكمال المسير مع تلاميذه.
عند هذه الحظة جاء شمعي راكضًا وهو يرفع يديه لكي يراه يسوع وتلاميذه.  فوقف يسوع والتلاميذ.  اقترب شمعي وهو يلهث...
- عذرًا سيدي.
التفت يسوع إليه وأشار إليه أن يهدئ من خطواته.
-        تمهَّل يا بُنيَّ. لَن نَمشي. نحنُ نَنتَظِرُك.
وَصَلَ شَمعي إلى حيثُ كانوا يقِفون عند بداية طريق السفر، وبدون مقدمات دخل في الموضوع: « عُذرًا أيها المُعَلِّم الصالح. سمعتك تتكلم عن الحياة الأبدية. أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية؟»
شعر يسوع في قلبه أن شمعي بدأ بشكلٍ تلقائيٍ مُعتاد في استخدام أسلوبه التُجاريّ الذي استخدمه طوال السنين الماضية ليصل به بتلك السرعة إلى الثروة التي حقَّقها. أجابه يسوع: « لماذا تدعوني صالحًا؟ ليس أحدٌ صالحٌ إلا واحدٌ وهو الله، ولكن إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا. أنت تعرف الوصايا: لاَ تَزْنِ. لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ. لاَ تَسْلُبْ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ.» وَهَمَّ يسوعُ بِمواصَلَةَ المَسير.
شَعَرَ شمعي ببعضِ الخوفِ ومَسحةٍ من غَضب: لماذا يكلمني بهذه الطريقة الجافَّة؟ ليس هذا يسوع الذي كان يتكلم لتوِّه بحنانٍ مع الأطفال. ثُمَّ ألم يَقُل من قبل عن نفسه إنه «الراعي الصالح»؟ كيف يقول «لماذا تدعوني صالحًا؟» هل يريد إحراجي؟ عندئذٍ بدأ حوارٌ مع طِفلٍ صغير داخل شمعي:

... لماذا تُكَلِّمه بهذه الطريقة التي تُكلِّم بها التُجَّارَ ورجال الدين؟ ألن تَكُفَّ؟
... يَجِبُ أَن أَربَحَهُ كَمَا رَبحتُ غيرَهُ من رجال الدينِ والتِجارة ووصلت إلى ما وصلت إليه.
                  ... ولكنه مُختَلف. أَلَا تَرَى؟ أَلا تَرى أنه مختلف؟
... كيف مختلف؟
.. إنه الأبُّ الذي أنتظره. أريدُ أَن أَهرَعَ إِليه ليحتضنَنِي كما كان يحتضن الأطفال.
... ما هذا الهُراء ؟ توقف! لا تحرجني. أنا عضو في السنهدرين.
... عذبتني بسهندريهنك ورَغبَتَكَ المَحمومةِ في المِالِ والسُّلطةِ والجاه. أنا أريده هو. إنَّه هو فقط ما
 كُنتُ أبحث عنه. سوف أكلمه.

-        يا مُعلِّم. هذه كلها حفظتها منذ حداثتي.

قال شمعي هذه العبارة بعينين أخريين وبوجه آخر كان شبيهًا بوجوه الأطفال الذين كانوا يتقافزون حول يسوع منذ دقائق. عندئذٍ نظر إليه يسوع هو أيضًا نظرةً «أخرى»، وظهرت على وجهه ابتسامةُ محبةٍ عريضةٍ رَجَفَ لها قلب شمعي. بعد ذلك ساد صمتٌ لبضع ثوانٍ دار فيها صراعٌ مريرٌ بين شمعي ونفسه. كان طِفلٌ بداخله يريد أن يَجري ويترك كل شيء ويرتمي في حِضن المُعلِّم الناصري، وجزءٌ آخر يحرِصُ على ما أنفق السنوات الماضية من عمره يجمعه ويبنيه. ودار حوار آخر في داخله...

... أنت تعرف. ليست «الوصايا والدين» هي ما أحتاج. أنا أشعر أنني أحتاجُ لشيءٍ آخر.
              ... وما هو؟ لقد حصلنا على كل شيء.
...  حصُلتَ أنتَ أما أنا فلا زِلتُ جائعًا.
... كيف؟ لدينا المال والسلطة والجاه والدين والاحترام من الجميع كبارًا وصغارًا.
.. لديك أنت. أنا لا أريد كل هذا. أنا أريده هو. هو الأب الذي كنت أبحث عنه دائمًا. إنه هو نفسُهُ الحياة الأبدية التي تبحث عنها.
... ما هَذِهِ الهَرطَقات التي تَقولُها؟
... لا أعرف. ربما تكون هرطقات، لكن هذا ما شعرت به حين كان يحتضن الأطفال. شعرت أن الكون كله كان يدور حول هذا المشهد. أنا مستعدٌّ أن أترك كل شيء وأبقى طُولَ عُمري حَولَهُ مِثل هؤلاء الأطفال.
... اصمت.

عَادَت مَلامِحُ شَمعي إلى ما كانت عليه في البداية من صرامة وتجهم وجِدِّية:
-        ماذا يعوزني بعد؟
-        يُعْوِزكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ: اِذْهَب بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاء، فَيَكون لَكَ كَنْزٌ فِي السَّماء، وَتعَالَ اتْبعني حَامِلًا الصَّلِيبَ.
نفذت كلماتُ يسوع كسيفٍ طويلٍ ذي حدَّين في قلب شمعي وكأنها شطرته إلى نفس النصفين اللذين يتصارعان بداخله فزاد صراعهما واحتدم حوارهما:
... أبيع كل ما لي؟ أبيع نفسي؟ أبيع كل ما شقيتُ من أجلِهِ وتَحَمَّلتُ ليالي بلا نومٍ وسفرًا بالأسابيع في قوافل التجارة. أبيع تجارتي وتجارة أبي وجدِّي. هل يُعقَل هذا؟ هل يريد الله هذا؟ الله هو الذي باركني بهذه البركة، ولو لم أكن متدينًا وحافظًا للناموس لما باركني. لم أَكسِر سَبتًا ولَم أترُك مَكسبًا إلا وقد دفعت عُشرَهُ للهيكل. وتُرى إذا صرتُ إنسانًا فقيرًا، هل سيُبقُونَني عضوًا في السنهدرين؟ لا وألف لا.

... هذه التي تظنها نفسك، ليست نفسك. أنا نفسك. أنا نفسك الحقيقية، التي تحب يسوعَ وتهفو للحياة الأبدية ولا تقيم وزنًا لكل هذه الأشياء التي أفنيتَ فيها أَفضل سنواتِ عُمري وعُمرك. هو لا يريد مالك. إنه يريد أن يسترد قلبك من المال الذي قد استحوذ عليه. ألا تقول الشريعة التي تدَّعي أنك حفظتها، أن تحب الرب إلهك من كل قلبك؟ أنت لا تحبُ إلّا مَالَكَ وجَاهَك وسُلطانَك من كل قلبك. أنت كاذب كبير.
... وهل محبتي لله تعني بالضرورة أن أكون فقيرًا؟
... لا بل تعني أن تقاوم حُبَّ المال. قُل له إنك تحب المال. اعترف له بصراعك ودعه يساعدك كما ساعد مَنْ هم قَبلَك وسيساعد من هم بَعدَك.
... لن أقول. ثم اسمع ماذا يقول أيضًا، إنه يقول: اتبعني «حاملًا الصليب»! أي صليب؟ أسوف يقودني إلى الموت؟
            ... بل سيقودك إلى الحياة.
... كيف ألم تسمع؟ هل الصليب أداة حياة
... نعم.
... كيف ذلك أيها الطفل المعتوه. أنا المخطئ إذ أَقبلُ أَن أَستمِعَ إلى طفلٍ مثلك، معهم حق تلاميذ يسوع لأنهم لم يريدوا تضيع وقت الخِدمة مع الأطفال.
... استمع أنت. الصليبُ الذي يتكلم عنه يريد أن يقتُل به حُبَّكَ للمال الذي سوف تقتل به نفسك وتقتلني. هكذا يكونُ الصليبُ أداة حياة.  لم تعطِني لحظة راحة في سعيك المحموم نحو المال. إنه يريد أن يميت «موتَك» فتحيا. نعم الصليب أداة حياة. هيا خرّ على رُكبتيك أمامه وقل له عن دائك العِضال. اعترف له بأنك تحب المالَ من كل قلبك وأنك لم تحفظ الوصية العظمى، ولم تُحِب الرَّبَّ من كل قلبك
.. لا لن أفعل ذلك أبدًا.
... أرجوك.
... لا. أنا رجلٌ عصاميٌّ، بنيتُ نَفسي بنَفسي. أَكسِبُ مالي بعرق جبيني وسوف أنال الحياة الأبدية أيضًا بعرق جبيني. لَم أسرِق ولم أقتُل ولم أشهَدَ زورًا. لقد حَفِظتُ كُلّ الوصايا ولست بحاجةٍ لهذا.
.. أرجوك. سوف تهلكنا.
             ... اصمت.
.. افعل ما شئت لَكِنَّكَ سَتبقى حَزينًا طوال عمرك. لَن يُسعِدُكَ مَالَكَ ولا دينك المزيف. أنت لا تعرف الله ولا تعرف حتى نفسك وسوف تظل تائهًا وستقتلني معك.
            ... اصمت تمامًا لا أريد أن أسمع صوتك بعد الآن.













هناك تعليق واحد:

  1. هل ترغب في شراء كلية أو تريد بيع كليتك؟ هل تبحث عن فرصة لبيع كليتك مقابل المال بسبب الانهيار المالي ولا تعرف ماذا تفعل ، ثم اتصل بنا اليوم وسنقدم لك مبلغًا جيدًا من المال قدره 500،000 دولار لكليتك. اسمي الدكتور ماكسويل أنا طبيب أعصاب في مستشفى بيل روث. مستشفىنا متخصص في جراحة الكلى ونحن نتعامل أيضًا مع شراء وزراعة الكلى مع أحد المتبرعين الذين يعيشون. نحن موجودون في الهند والولايات المتحدة وماليزيا وسنغافورة

    إذا كنت مهتمًا ببيع أو شراء الكلى ، فلا تتردد
    للاتصال بنا على وعبر البريد الإلكتروني.

    البريد الإلكتروني: birothhospital@gmail.com
    ما رقم التطبيق: +33751490980

    تحياتي الحارة
    المدير الطبي
    الدكتور ماكسويل

    ردحذف