الخميس، 19 مارس 2015

15

بيت حسدا

أصبحت اليهودية والجليل على صفيح ساخن. الحِراكُ السياسي والاجتماعي على أَشُدِّهِ. والصدام بين الثقافة اليهودية الراسخة، والثفافة الغربية اليونانية الرومانية الوافدة والسائدة في العالم، يصبح أكثر فأكثر حقيقةً واقعةً، وذلك بسبب ثورة الاتصالات التي سَبَّبَها اتِّساع شبكة الطرق الرومانية، وقوة السلام الروماني الذي يُؤَمِّن هذه الطرق ويجعل الإمبراطورية الرومانية التي تشمل أغلب العالم، بمثابة قرية صغيرة. كل هذا قد وَضَعَ الثقافة الرومانية في حالة حوار وربما صِدام، مع كل الثقافات المَحَلِّيَّة.

بعد موت هيرودس الكبير الذي ملك لفترةٍ طويلةٍ تصل إلى ثلاث وثلاثين سنة؛ من السنة السابعة والثلاثين قبل الميلاد حتى السنة الرابعة ميلادية، وقام بعدة مشاريع إنشائية ضخمة لعل أهمها إعادة بناء الهيكل القديم، الذي سُمِّيَ الهيكل الثاني أو هيكل هيرودس، كما قام أيضًا بتحديث البنية التحتية لكل فلسطين بعد أن استلمها مهلهلةً من سابقيه. وبالرغم من أن هيرودس بنى الكثير من المباني وشق الكثير من الطرُق، إلا أنه لم يبنِ حياةً سياسيةً واجتماعيةً سليمةً، بل في عصره الطويل استشرى الفسادُ في فلسطين كما لم يستشر من قبل، وتحكمت في مقدرات الأمة قِلَّةٌ من التُجّار الانتهازيين، كما كان هيرودس المُلقَّب بهيرودس الكبير، عميلًا صريحًا للرومان وحاميًا لمصالحهم في هذه المنطقة من العالم.
بعد وفاة هيرودس انقسمت المملكة وأصبح أرخيلاوس واليًا على اليهودية وأورشليم، وفيلبس على قيصرية، بينما مَلَكَ هيرودس انتيباس على الجليل، مكملًا الحقبة الهيروديسية في الحياة السياسية اليهودية بنفس مساوئها وخطاياها فاستمر يبني ويقيم المشاريع، بينما حياة الناس تتدهور من سيئ إلى أسوأ والاعتصامات والاحتجاجات تجتاح البلاد. لم يَعُد سَوادُ الشعبِ الجَليلي يقوى أن يحلم بالتغيير والإصلاح، فهذه أحلامٌ تقتصر على الصفوة. أما الغالبية العظمى من الشعب فاكتفت بأحلام زيادة المرتبات لكي يستطيعوا مواصلة الكفاح اليومي خلف «لُقمة العَيش». حتى ثورات شباب الفريسيين المحدودة التي اندلعت بعد القبض على يوحنا المعمدان، قد تم إخمادها ببعض القرارات السياسية المُعدَّة لترضية المتدينين، مثل إطلاق يد الهيكل لمصادرة الروايات والكتابات الأدبية التي يرى شيوخه أنها لا تحترم الدين، وغير ذلك. مهما حدث، كانت الحياة في الجليل واليهودية تستطيع دائمًا أن تعود لاستقرار الخمول الذي يتيح لكل المنتفعين أن يكملوا اقتياتهم على جسد الأمة المريض.

عندما اقترب عيد الحصاد وهو أحد الأعياد الثلاثة المهمة التي فيها كان على الجميع أن يَحُجَّ إلى أورشليم، بدأ يسوع يُعدُّ للصعود إلى أورشليم، وقرر أن يأخذ معه يوحنا بن زبدي لمعرفته بالمدينة وعلاقاته المتعددة بشيوخ اليهود هناك. كان يسوع يعلم أن الذهاب إلى أورشليم معناه الدخول في مناقشاتٍ فقهيةٍ مع شيوخ اليهود، فكان عادةً ما يصوم قبلها صيامًا طويلًا، ويقضي عدة ليالٍ في الصلاة حتى الصباح لكي يكون الله معه في هذه الحوارات ليشهدَ عن الحق.
بعد وصوله لأورشليم، وقبل أن يذهب يسوع للهيكل لأداء مناسك العيد، قرر في صباح السبت أن يذهب إلى بِركة بيت حسدا أي بيت الرحمة، وهي بِركة كبيرة من خمسة أروقة وتقع عند باب من أبواب المدينة القديمة يُسمَّى باب الضأن، أو باب الخراف. وقد بدأ تاريخ هذه البِركة في القرن الثامن قبل الميلاد عندما تم بناء سدٍّ على وادي بيت زيتا العميق، لتحويله إلى مستودع لمياه المطر في صورة هذه البركة. ومع الوقت وتغلغل الديانات الرومانية الوثنية، بدأت هذه البِركة تُستَخدَم كمعبدٍ روماني للإله اسكليبيوس يأتي إليه الناس ليطلبوا الشفاء. وكان بعض اليهود أيضًا يمزجون هذا الإيمان الوثني بإيمانهم اليهودي ويصفون اضطراب الماء في البركة بأنه ملاك من عند الرب يأتي ويحرك المياه فمن ينزل أولًا بعد تحريك المياه ينال الشفاء من مرضه.
لهذا السبب، كان هناك جمهور كثير من مرضى بكل الأمراض يأتون إليها، وبالطبع كان الكثير من المرضى مصابين بالشلل الهستيري وبالذات من النساء اللواتي كُنّ يعانين من اضطرابات نفسية وأسرية وكان بعضهُنَّ يشفين بالإيحاء، وذلك بسبب اعتقداهِنَّ الشديد في الشفاء، مما ساعد على بقاء الأسطورة وشُهرَتها.

ذهب يسوع إلى هناك وصار يتمشى عند البحيرة، ولم يعرفه أحد لأن صيته لم يكن قد ذاع في أورشليم بعد. بينما كان يمشي وسط الناس، كان يسوع يتأمل الجالسين والجالسات حول البركة وحركاتهم الهستيرية وصلواتهم المُختلفة تبعًا لدياناتهم واعتقاداتهم، وكان قلبه مُتَألِّمًا من الحالة التي وصلوا إليها جسديًّا وروحيًّا. بعد قليلٍ، مال يسوع نحو رَجُلٍ طاعنٍ في السن، ساقاه مشلولتان وضامرتان تمامًا كساقي طفل صغير وقال له بصوتٍ خفيض حتى لا يسمع أحدٌ ممن حوله: «صَارَ لك اليوم ثمان وثلاثون سنة بهذا المرض».
فتح الرجل عينيه الذابلتين، وبهما نظرة استغراب أعادت بعض الحياة لوجهه الذي يكاد يخلو من أي أثر للحياة: «وكيف عرفت؟ أنت لست من هنا. ملابسك ولغتك تقول إنك جليلي. ورجل دين. أهناك رجال دين في الجليل؟»    
-        لا عليك من الجليل. قل لي؛ أتريدَ أن تبرأ؟
حَرَّكَ الرجل ركن فمه الأيمن في ابتسامة صفراء مُرَّة، وأغمض عينيه اليمنى قليلًا في سخرية ولم يُجِب.
-        لم تجِبني... أتريد أن تبرأ؟
-        يا سيد ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء بل بينما أن آت، ينزل قدامي آخر. هل لك أن تمكث بجانبي وتحملني، أو حتى تدفعني وتلقيني عندما يتحرك الماء؟
-        يا عم يوسف، قم احمل سريرك واذهب إلى بيتك,
-        ماذا؟
-        قلت لك قم احمل سريرك واذهب إلى بيتك واستدفئ في فراشك.
-        هل تمزح معي؟ هل ترى ساقيَّ؟
-        نعم أراهما.
ومالَ يسوع حتى أصبح جالسًا القرفصاء أمام الرجل وراح يُدَلِّك ساقيه، وبينما هو يدَلِّكهُما، إذا بهما يَنموان ويعودان تدريجيًا إلى الحجم الطبيعي لشيخ في سنه.
صاح الرجل: « ساقاي! يا إلهي... يا إلهي، نارٌ تسري في ساقيَّ... ماذا تفعل بي؟ يا إلهي آآآه النجدة. هذا الرجل يحرق ساقيَّ!». 
فتجمع الناس ورأوا ما يحدث ثم تعالت صرخات الدهشة من الجميع وهم يرون يسوع يسند الرجل ليقوم، ثم يعاونه لكي يحمل فراشه، ويمشي إلى بيته بعد أن عاش سنواتٍ طويلة كعلامة مميزة من علامات البِركة.
وبينما كان عم يوسف يحمل سريره ويمشي مُهَلِّلاً مُسَبِّحًا الله، كانت تتساقط من السرير بعض من قطع
النقود الصغيرة التي كان الزوار يلقونها بها إليه، فلم يعبأ بها وحمل سريره ومشى وسط صيحات البعض
وهمهمات البعض الآخر: «من هذا الرجل؟»، «ألعل الملاك جاءنا في صورةٍ بشريةٍ» كما أن بعض
الرومان قالوا: «لقد تجسد الإله اسكيليبوس» وذهب بعض منهم ليحضروا ذبيحة ليذبحوها لذلك الإله في
البِركة احتفالًا بما حدث.

وفي طريقه للخروج من البركة اعترض الرجل بعض شباب الفريسيين المُلتَحين ومنعوه من الاستمرار صائحين فيه: « أيها الشيخ الكافر المخرف، ماذا تفعل؟»  
لم يوقفه هذا الهجوم عن التهليل والتسبيح
-         ألا ترون؟ لقد شفيت. لقد شفيت أنا الآن أمشي. سبحانك يا رب سبحانك.
-        اليوم سبتٌ أيها الزنديق، كيف تحمل سريرك في يوم السبت. ألقِ السرير واجلس وإلا أخذناك للشرطة الدينية، هل فهمت؟
-        لكن يا وَلّدَيّ، رجلُ دينٍ هو الذي قال لي أن أفعل ذلك بعد أن شفاني. ألست تعرفني يا رأوبين؟ أنا عم يوسف يا رأوبين، لقد كنت تأتي وأنت طفل صغير مع أمك التي كانت تحاول أن تُشفَى من الداء الذي أصابها في أصابع يديها. ألا تذكرني؟ لقد كانت تتركك معي لتنزل إلى البركة... المسكينة. كيف حالها؟
-        لا عليك بأمي أيها الشيخ الزنديق كاسر السبت. لا تنطق بسيرة أمي أيها الكافر.
-        ماذا جرى لك يا رأوبين يا ولدي، أنا عَمُّك يوسف؟
صرخ رأوبين: «لا تَقُل ولدك!» وبدأوا يضربونه لكي يلقي بسريره. فألقى بالسرير واستلقى عليه حتى ينتهي السبت فيعود إلى بيته.


في الطريق إلى الهيكل، تَمَشَّى يسوع في شوارع أورشليم القدس. لم يكن صيته قد ذاع بعد في العاصمة، وهذا أتاح ليسوع أن يتمشى بين الناس دون أن يلاحظوا، ويتأملهم وينظر في عيونهم ويحيِّيهم. كان يحيِّي الرجال والنساء على حدٍّ سواء. أما الرجال فكان عدد قليل منهم يجيب بابتسامةٍ، والأكثرية يغمغمون وكأن برنامجًا تلقائيًّا يعمل لرد التحية بأحسن منها، أما تعبيرات العين وملامح الوجه، فلا يعبِّران عن أي تحية حسنة أو سيئة. وأما النساء فلم يكنَّ يُجِبنَ تحيته مطلقًا وبعضهن كن ينظرن إليه شذرًا من فتحات نقابهنَّ وكأنه انتهك شرفهنَّ؛ فالرجال في اليهودية لا يكلمون النساء فيما عدا نساءهم أو محارمهم. والنساء بالطبع لا يكلمن الرجال، وإذا تكلمت امرأة مع رجل أو ابتسمت له فهذا معناه على أنها امرأة سهلة المنال، حيث إن أي علاقة بين رجل وامرأة في مفهوم المجتمع اليهودي، يجب أن تقع أولًا في خانة الجنس قبل نقلها إلى أية خانة أخرى.
وصل يسوع إلى الهيكل واجتاز بصعوبةٍ وسط الزحام الشديد، وفيما هو مُجتازٌ وسط الناس، شعر بأن هناك شخصًا ما ينبغي مقابلته، فبدأ في التحرك وسط الزحام، وكأن قوةً غير منظورة تقوده حتى وجده. إنه عم يوسف. تهللت أسارير الرجل عندما رأى يسوع.
-        عم يوسف. جيدٌ أن أراك هنا في الهيكل.
-        نعم سيدي. جئت أقدم محرقة وأوفي نذوري فقد نذرت أنه إذا شفاني الله فسوف أتبرع للفقراء بكل ما جمعته من الشحاذة طوال السنوات الماضية وأبحث عن عمل,
-        ذكرتني بالمزمور القائل: «أدخل إلى بيتك بمُحرَقات، أوفيك نذوري التي نطقت بها شفتاي وتكلم بها فمي في ضيقي» عم يوسف، هل تعرف بقية المزمور؟
-        سيدي. أنا لا أحفظ المزامير فأنا رجل بسيط كما تعرف. ماذا يقول المزمور؟
-         يقول: «هلم اسمعوا فأخبركم يا كل الخائفين الله بما صنع لنفسي. صرخت إليه بفمي وتبجيل على لساني»,
-        عظيم هو الرب!
-        ويضيف المزمور قائلًا: «إن راعيت إثمًا في قلبي لا يستمع لي الرب. لكن قد سمع الله. أصغى إلى صوت صلاتي. مباركٌ الله الذي لم يبعد صلاتي ولا رحمته عني». لقد سمع لك الله يا عم يوسف وشفاك، فلا تراعي إثمًا في قلبك مرةً أخرى لئلا يكون لك أشرّ.
-         هل تقصد أن مرضي هذا كان بسبب خطية؟
-        ليس بالضرورة ولكن الإثم في القلب أشر من مرض الجسد.
مضى عم يوسف لا ليفي بنذوره فقط، ولكن لكي يخبر اليهود في الهيكل بما صنع الله لنفسه، وكيف أبرأه يسوع اليوم، ولما سمع الكهنة والقادة الدينيون أن يسوع قد أبرأه في السبت، استشاطوا غيظًا وقالوا:  «أين يسوع هذا؟ نريد أن نقابله».
جاء عم يوسف ومعه مجموعة من كهنة الهيكل إلى حيث كان يسوع واقفًا يتكلم مع بعض الأجانب الآتين للعيد من الأمم.
-        هل أنت المدعو يسوع الناصري؟
-        نعم أنا.
-         هذا الرجل يقول إنك شَفَيتَهُ اليوم.
-         نعم.
-         ألا تعلم أن الإنسان لا ينبغي أن يعمل في السبت؟
-         أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل,
-         أبوك؟ من أبوك؟
-        الحق الحق أقول لكم لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئًا إلا ما ينظر الآب يعمل. لأنه مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك، لأن الآب يحب الابن ويريه جميع ما هو يعمله.
-        ما هذا الذي تقول؟ الذي يعمل دائمًا هو الله.
-         نعم، وهو قد اختار أن يعمل هنا فيما بينكم أعماله، لكي تؤمنوا أنه حالٌّ فيَّ وأنا فيه,
-         استغفر الله العظيم. أنت كافرٌ مُجَدِّف تستحق الموت، ليس فقط لأنك كسرت السبت بل لأنك تعادل نفسك بالله.
-        الآب يحب الابن ويريه جميع ما هو يعمله، وسيريه أعمالًا أعظم من هذه لتتعجبوا أنتم, لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي، كذلك الابن أيضًا يُحيي من يشاء.
ثارت مجموعة من الكهنة الشباب وتناولوا حجارة ليرجموه وهم يصيحون: «كافر! كافر!» ثم ظَهَرَ من بينهم كاهن أكبر قليلًا حاول تهدئتهم وبدأ يتكلم مع يسوع.
-        هل تحاولون رجمي لأني علمت عملًا حَسَنًا؟
-        لسنا نرجمك لأجل عملٍ حسنٍ، بل لأجل تجديف، فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهًا.
-        أليس مكتوبًا في ناموسكم: «أنا قُلتُ إنَّكُم آلهة» إن قال الله «آلهة» لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله، فكم بالحري «كلمة الله نفسه»؟ أتقولون لكلمة الله إنه يجدف لأنه قال إنه ابن الله؟ أوليست الكلمة ابنة قائلها؟
-        نحن نفهم ما يقصده الكتاب عندما يتكلم عن أن كل البشر آلهة؛ فقد استودع الله نسمةً من فمه في كل إنسان، ونفهم أُبُوَّةَ اللهِ لنا، فكل إنسان هو ابن الله بالخلق، لكنك تخاطب الله كما يخاطب الطفل أباه وكأن لك علاقة بنوة خاصة بالله.
-        نعم. أنا لم أولد مثلكم من أبٍ، وليست لديَّ فقط نسمة من فمه أو كلمة مِنه أنا نفسي كَلمته.
«هل يمكن لكافر مثل هذا أن يعيش؟» صاح أحد الكهنة الشباب.
أضاف يسوع متجاهلًا عبارة الكاهن: «أنا لا أتكلم من نفسي. كلامي ليس كلام إنسان ولكن الله الحال فيَّ هو الذي يتكلم. حلول الله الكامل فِيَّ لا يثبته فقط ميلادي بدون أب، ولكن تثبته أعمالي الواضحة. إن لم تؤمنوا أو تفهموا ما أقول فأنا أعذُرُكُم لأن ما أقوله فِعلًا غريب عليكم، لكن الأعمال التي أعملها لا يُمكِن أن تُخطئها عين. هذه الأعمال تقول إن الآب فيَّ وأنا فيه».
-        لا يمكن أن نؤمن بهذا التخريف.
-        كما أعطاني الله أن أعمل أعماله، أعطاني أيضًا أن أغفر وأن أدين. وأنا أطلب من الله أن يغفر لك، لأنك لا تعلم ماذا تفعل وماذا تقول. أنت يا صديقي تحكم على الله بعقلك، ظانًّا أنه لا يُمكِنُ أن يَفعلَ إلّا ما قد حَدَثَ من قَبل وما تستوعبه أنت، وكأنه غير مسموح له أن يصنع أمرًا جديدًا أو يخرج عن «النَّصِّ» الذي وضعته له.

أطرق الكاهنُ الشاب برأسه، ولم يتكلم ثم أخذ باقي مجموعة الكهنة الشباب وكما يبدو كان له تاثير عليهم فانصرفوا.
مَضَى يسوعُ يكمل كلامه لجموع الناس الموجودين: «الحقَّ الحقَّ أقولُ لكم إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية، وسوف يُولَد من جديد لحياةٍ جديدةٍ لا تفنى، ولن يأتي لقضاء في اليوم الأخير، بل قد انتقل من الموت إلى الحياة. الحق أقول لكم إنه تأتي ساعة وهي الآن، حين يسمع الأموات روحيًّا صوت ابن الله والسامعون يحيون. الآب هو الله وله حياة أزلية في ذاته وهو غير مخلوق، والابن كلمته الأزليُّ وعقله الأبديُّ غير المخلوق، فلم يكن الله غير مُتَكَلِّمٍ أو غير عاقل أبدًا. هذا حلَّ بالتمام فيَّ أنا ابن الإنسان. من يقبلني ويكرمني ويؤمن بي فهو يؤمن بالله، ومن يحتقرني ولا يصدقني فهو لا يصدق الله».
فخرج من الجمع شابٌّ، واضح أنه ذكيٌّ وسأل يسوع: «وكيف تطلب منا أن نؤمن بهذا الكلام العجيب؟ و كيف يحاسبنا الله على عدم الإيمان بشيء عجيب كهذا؟ أليس هذا ظلمًا».
-        يعجبني فكرك ومنطقك، ما اسمك؟
-        اسمي إيليا,
-        صديقي إيليا، إذا لم يُصَدِّق عقلك هذا الأمر الصعب ولم يقتنع فهو معذور. أنا أعلم كيف أن عقل الإنسان يَعجَزُ عن فَهمِ هذه الأمور اللاهوتية الفائقة. لكن إن كانت الشجرة تحمل برتقالًا يجب أن تصدقها إن قالت إنها شجرة برتقال. بالطبع أنت لا تعرف السر المعجزي الذي يحول طين الأرض وماءَهُ وآشعّة الشمس إلى برتقال حلو، ولن تستطيع أن تعرف، وأنا لا أطالبك أن تَعرِف هذا، لكنك ببساطة عندما ترى برتقالًا، تعرف أن هذه الشجرة صادقة.
-        بالطبع أنت مختلف وما تفعله مختلف وتلاميذك مختلفون، لكني لا أستطيع أن أقبل هذا الذي تقول.
-        في هذه الحالة، أنت تؤمن بأفكار في عقلك أكثر مما تُصدِّق ما تراه بعينيك. أنت عندئذٍ سجين داخل نفسك. وطالما ظللت هكذا فسوف لن تخرج إلى رحب مملكة الله.
-        وكيف أتَحَرَّر إذا كُنتُ، كما تقولُ، سجينًا؟
-        تعرف الحق، والحق سوف يُحَرِّرَك. صَعبٌ عليك أن تُصدِّقني الآن، لكنني أرى بِذرةَ إيمان بدأت تنمو في قلبك، وسيأتي أوانها في حينه.
-        صَلّ من أجلي يا مُعَلِّم.
-        سوف أفعل.

















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق