السبت، 7 مارس 2015



4
البداية
بالرغم من أنّهُ كان قد وصل إلى سن الثلاثين، فإن القصص القديمة عن ميلادِهِ ونَسَبِهِ لا تزال تُروى  بين الحين والآخر. فالجميع يعلم أن مريم وُجِدت حُبلَى قَبلَ زواجِها من يوسف وأن يوسف هو ذلك الرجل «الطَيِّب» الذي سَتَرَ عِرضَهَا وصدق روايتها عن الحلم الذي رأت فيه ملاكًا يُبَشِّرُها بأنها سوف تحبل بعملٍ إلهيٍّ مُعجِزي، وأن وليدها لن يكون ابنًا لرَجُلٍ من البَشر، وإنما سيُدعى «ابن الله»، وكيف أن بعد هذا الحلم الغريب مباشرةً توقفت الدورة الشهرية بالفعل، وبدأت مريم تَشعُرُ بأعراض الحمل. من القصص المنتشرة أيضًا أن يوسف هو الآخر، رأى رؤيا تطمئنه لرواية زوجته. في واقع الأمر، لم يكن صعبًا على يوسف أن يُصدق مريم التي كان مشهودًا لها بالتقوى والصلاح في قريتها الناصرة بالجليل. إلا أن هناك قصصًا أخرى انتشرت تتهمها بالزنى مع جندي رومانيّ.
 شّبَّ يسوعُ وسط هذه الشائعات وعندما كان طفلًا كان كثيرًا ما يعود لأمه من كُتَّاب الهيكل باكيًا بعد أن اتهمه أحد الأطفال أنه ابن زنا. وفي كل مرة كان يحدث أمرٌ كهذا، كانت مريم تُصّلِّي وكان إيمانها يساعدها على الاستمرار. ويسوعُ نَفسُهُ كان طفلًا غريبًا فقد كان يحلُم أحلامًا غريبة يرى فيها نورًا شديدًا وصوتًا يقول له: «انت هو ابني الوحيد» وكان يقُصُّ هذه الرُؤَى على أمه التي كانت تحفظها في قلبها. نفس هذه الصوت سَمِعَهُ يسوع عندما خرج من الماء بعد أن اعتمد من يوحنا المعمدان في بيت عَنْيا على نهر الأردن. ولكن هذه المرة سمع الصوت وسط النهار وهو في كامل اليقظة، مما جعله يشعر بحيرةٍ ممزوجةٍ بفرحٍ غريب. بعد هذه الحادثة بالتحديد، شعر يسوع أنه قد آن الأوان لكي يَترُكَ عَمَلَهُ في النجارة ويتفرغ للخدمة الروحية، لكنه قرر أولًا أن يقضي في صحراء الأردن فترة صوم وصلاة طويلة قبل بدء الخدمة.
بعد المعمودية عاد يسوع من صحراء الأردن إلى بيت عنيا وهي المدينة الصغيرة القريبة من نهر الأردن حيث كان يوحنا يُعَمِّد، وبدأ يفكر في تكوين فريقٍ من التلاميذ والعودة للجليل. وذات مرةٍ، كان يوحنا المعمدان واقفًا مع أحد تلاميذه ويُدعى أندراوس، ومعهما بنيامين القُمرانيّ الذي بعد أن اعتمد من يوحنا، كان يجيء بين الوقت والآخر ليقضي مع يوحنا وتلاميذه بضعة أيام يعود بعدها إلى جماعته في المستعمرة. قال يوحنا بعد أن نظر إلى يسوع ثم أَطرَقَ مُعَلقًا عيناه على الأُفُق وبَدَا مُستَغرِقًا في تَأَمُّلٍ يفصله عن العالم كله: «هذا هو حَمَلُ الله الذي يَرفَعُ خطيةَ العالمِ.»
-         ما الذي يجعلك تقول هذا أيها المُعَلِّم، ومن تقصد؟ هل تقصد يسوع؟ أنت لم تَرَه إلا من مدةٍ قصيرةٍ.
-        لا أعلم. ولكنني عندما كنت أعمده رأيت شيئًا غريبًا؛ جاءت حمامة بيضاء ووقفت على كتفه بعد أن خرج من الماء، وشعرت كما لو كانت هذه الحمامة رمزًا لروح الله، ثم، باعتباري من العائلة، فأنا أعرف قصة ميلاده.
-        قصة ميلاده؟
-         نعم. لم يولد يسوع بطريقةٍ عاديةٍ مثلنا. لقد وُلِد مباشرةً من الله.
-         مباشرةً من الله؟ ما معنى هذا؟ أنا أعلم أن أباه نجَّارٌ من الناصرة.
-         هذا زوج أمه وهو قد ربَّاه كأبيه تمامًا، لكنه مولودٌ ولادةً روحيةً من الله مباشرةً. تستطيع أن تقول إنه «ابن الله».
-         ابن الله؟ أستغفر الله العظيم. وهل اللهُ إنسانٌ مثلنا فيلِد ويُولَد؟
-         يَلِدَ ويولَد؟ بالطبع لا. لك معي كل هذا الزمان يا أندراوس ولا تزال تفكر بهذه الطريقة الجسدية التي يفكر بها الكهنة في أورشليم؟
بالرغم من عدم قبول أندراوس لما يقوله يوحنا، فإنه شَعُرَ برغبةٍ شديدة أن يلتقي بيسوع ويتعرَّف عليه، فأخذ هو وبنيامين يَتَتَبَّعانَهُ لفترة من الوقت. وعندما لاحظهما يسوع التفت وقال: «ماذا تَطلُبان؟»
-         أين تمكث يا مُعَلِّم؟
-         تعاليا وانظرا.
فذهبا معه إلى الخيمة التي كان يقيم فيها وكانت الساعة الرابعة بعد الظهر. ظلَّ الثلاثة؛ يسوع وأندراوس وبنيامين معًا وسهروا لوقتٍ متأخرٍ من الليل حيث كان يسوع يتحدث إليهما ويعلِّمهُما عن مملكة الله ويجيب عن كل تساؤلاتهما. حتى أن أندراوس قال في نفسه: «إن لم يكن يسوعُ هذا هو المَسيّا فمن عساه يكون المَسِيّا؟» ثم بسُرعة طَرَد هذه الأفكار من عقله.  وفي الصباح، هرع أندراوس إلى الخان حيث كان يبيت مع سمعان أخيه، وبمجرد أن رأه صرخ سمعان في وجهه: « أين كنت أيها الفتى الأخرق؟ تتركني وتبيت في مكانٍ آخرَ دون أن تخبرني؟ لقد كدت أموت بالأمس من القلق وبحثت عنك في كل مكان.» وهم بأن يمسك بتلابيبه ويضربه.
-        مهلًا يا سمعان. اسمع. عندما أقول لك السبب سوف تعذرني. أترك رقبتي سوف أختنق.
-        ماذا عندك؟
-        وجدت شخصًا غريبًا جدًّا اسمه يسوع قضينا معه أغلب النهار ومكثنا معه لوقتٍ متأخرٍ من ليل البارحة. صدقني يا سمعان إذا استمعت إلى هذا الإنسان لن تستطيع أن تمنع نفسك من أن تظن أنه...
-         أنَّهُ ماذا؟
-         أنَّه المسيَّا
-        لم يكفِك ما فعلت وجئت لي سكرانًا أيضًا، ومن فرط فسقك، تتكلم مثل هذا الكلام أيُّها الفاجر. وهم بأن يُمسِكَه مرةً أخرى.
-        تعالَ معي وانظر.
-        إلى أين؟
-        سوف آخذك إلى المسيا.
-        مرة أخرى يقول لي المسيا؟ استغفرُ الله.
-        في الطريق حكى أندراوس لسمعان كل ما كان مع يسوع ويوحنا المعمدان وعن المعمودية والحمامة وقصة «ابن الله» وعندما وصلا إلى خيمة يسوع رآهما يسوع من بعيد فصاح: أنت سمعان بن يونا.
-        ربَّاه! كيف عرف اسمي. أقلت له عني؟
-        أبدًا لم أقل له شيئًا.
-        أنت سمعان بن يونا، وسوف أُسَمِّيكَ «صخر». نحن جيران من الجليل، أنا يسوع من الناصرة، تعاليا امكثا معي هذه الليلة لنواصل حديثنا نحن الثلاثة عن مملكة الله. تعالَ معنا أنت أيضًا يا بنيامين.
لم يكن حديث يسوع بالأمس قد راق لبنيامن تمامًا، فوجد نفسه يعتذر: «للأسف أنا مُضطَرٌ للعودة إلى وادي قُمران. رحلتي طويلة. الرب معكم.»

في اليوم التالي، بدأ يسوع يعُدُّ للعودة من بيت عنيا إلى بَلَدِهِ ناصرةَ الجليل، لكنه كان لا يزال يشعر أن هناك تلاميذٌ من هذه المنطقة عليه أن يدعوهم. وبينما كان يتمشى على نهر الأردن ذات صباحٍ، صادف شابًّا يمشي متأملًا وكأنه يصلِّي. فاقترب يسوع منه.
-        صباح الخير. السلام لك.
-        صباح النور، ولك السلام. لا يبدو عليك أنك من هنا. أهلاً بك في محافظة الأردن.
-          نعم، أنا من محافظة الجليل.
-         واضح، ملابسك ولغتك، شَرَّفتَ بلادنا.
-        حقًّا؟ هل من الممكن أن يكون شخصًا مثلي من ناصرة الجليل مصدر شرف؟ قال يسوع ذلك مبتسمًا.
-        ليس الإنسان بالمكان الذي يَسكُنَ، المُهِمُ ما يَسكُنُ قلب الإنسان.
-         نعم يا فِيلُبُّس يا صديقي.
لمعت عينا الشاب واتَّسعتا.
-        كيف عرفت اسمي؟
-        ليس الإنسان بما يَعرِفَهُ، المُهِمُّ أنَّهُ هو معروفٌ من الله. قال يسوع هذا وهو يبتسم ابتسامةً ماكرةً مشيرًا إلى عبارة فيلبس السابقة.
-        واضح أنك لست شخصًا عاديًّا في الجليل.
-         أنا مُعَلِّم.
-         مُعَلِّم؟ في الجليل؟ هل يوجد مُعَلِّمون في الجليل؟ وهل؟ أعذرني. هل تؤمنون بالتوراة تمامًا؟
فتح يسوع عيناه واسعًا وهو يبتسم وقال: «نعم. كيف أكونُ مُعَلِّماً ولا أؤمن بالتوراة؟»
-        اعذرني. ولكن ما أعرفه أنكم في الجليل مُتحَرِّرونَ قليلًا وتؤمنون ببعض العقائد الوثنية بسبب سُكنى الأمم بينكم.
-        ليس الإنسان بمن يسكنون مَعَهُ، بل بما يسكن قلبه. أليس كذلك؟
ضَحَكَ الشَابّان ضحكًا عاليًا وبدا أنهما قد أصبحا أصدقاء منذ ذلك الوقت. وبعد أن خفتت الضحكات تدريجيًّا، نظر يسوع إلى فِيلُبُّس في عينيه وقال: «ألم تقرأ المكتوب في نبوة إشعياء، أنه إن كان الزمان الأول قد أَهانَ أرضَ زبولون ونفتالي، أرضُ الجليل، فإن الزمانَ الأخيرَ سوف يُكرمها؟»
-        كيف يُكرِمُها يا مُعلم؟
-        ستعرف في حينه يا فيلبس. اتبعني.
صَمَتَ فيلُبُّس وكَأَنَ السماءَ أطبَقَت على صدره. حَاوَلَ فيلُبُّس أن يتكلم، فلم يستطِع. مشى الاثنان معًا دون كلمة، لكن كان قلباهُما مُمْتَلِئان بالكلام الذي لا يقال. بعد عدّة دقائق، حاول فيلبس أن يخرج بعض الكلمات من صدره فخرجت كلمات قليلة متعثرة: « هل تستطيع أن تنتظرني دقائق؟ سأذهب في مشوار قصير وأعود إليك. أرجوك انتظرني
حاول فيلبس أن يمشي، ثم تدريجيًّا بدأ يُسَرِّع من خُطاه. ثم في النهاية استسلم لرغبته في الجري، فأطلق ساقيه للريح كما كان يفعل وهو طفل. وبينا كان يجري كان يعود تدريجيًّا للطفولة. في دقائق، أصبح فيلبس صاحب الثمانية والعشرين عامًا، طفلًا صغيرًا وجد شيئًا مثيرًا، فهرع إلى نثنائيل أخيه ليخبره. وعندما وصل إلى نثنائيل وجده جالسًا تحت شجرة تين يقرأ ويدرس التوراة والكتب.
-        لقد وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء، يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة.
-        ما هذا الذي تقوله؟ أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟
-        تعال وانظر.
مشى الأَخَوَان، وطوال الطريق، كان فيلُبُّس يحث نثنائيل على الإسراع بينما نثنائيل يمشي محاولًا الحفاظ على وقار الأخ الأكبر، بينما نبضات قلبه تتسارع فهو يعرف كيف أن فيلبس لا يمكن أن يقول هذا الكلام إلا كان كان واثقًا مما يقول فهو مثله يبحث عن الحقيقة، ويدرس التوراة والأنبياء بكل تدقيق.
وعندما  أقبلا إلى يسوع قال يسوع: «هُوَّذا إسرائيليٌّ لا غِشَّ فيه.»
-         من أين تعرفني؟
-        قبل أن دعاك فيلبس وأنت تحت التينة تقرأ في نبوة إشعياء، رأيتك.
-         يا معلِّم. أنت ابن الله، انت ملك إسرائيل.
-        هل آمنت لأني قلت لك إني رأيتك تحت التينة؟ سوف ترى أعظم من هذا.
منذ أن عاد من بيت عنيا، حيث كان تعمَّد على يد المعمدان، ظل يسوع يقضي أوقاتًا طويلة في الصلاة لله.  وكان كُلَّ صباحٍ يستيقظُ والظلامُ باقٍ ويذهب إلى بحر الجليل ويصلي هناك. لقد أصبح يسوع يتواصل مع الله بوضوح كابنٍ مع أبيه. وتلك الوَمَضات التي كانت تأتيه في الطفولة، تَحَوَّلَت منذ المعمودية إلى حالة من الحضور المُستَمِرّ.  لذلك تعوَّد يسوعُ أن يتكلمَ عن الله كأبيه ببساطة من يتكلم عن أبٍ من لحم ودم. وقد كان هذا كان يسبب له انتقادات كثيرة؛ فاليهود يتكلمون عن أبوة الله ولكن ليس بهذه الصورة الحميمة. يؤمنون أنهم يتكلمون مع الله في الصلاة، ولكن ليس بهذه البساطة التي كان يتكلم بها يسوع ويدعوه «آبا»ـ كما يتكلم الأطفال عن آبائهم باللغة الآرامية الدارجة، التي لم يكن اليهود يستخدمونها أبدًا للصلاة أو الكلام عن الله. الله بالنسبة لليهود، متعالٍ جدًّا لا يمكن التباسط معه أو الكلام ببساطة عن محبته وأبوته، فهو ليس كمثله شيء وحرامٌ تشبيهه بالأب. وهكذا أدَّت محاولات اليهود تنزيه الله، إلى إبعاده عن الإنسان تماماً، أو بالأحرى، إبعاد الإنسان عنه، فلم يبق إلا الدين ليُمارِسَهُ الإنسان بكل أمانة مُمكِنة ظانًّا أنه يقيم علاقةً مع الله.

وذات صباحٍ، كان يسوع يتمشى على شاطئ بحر الجليل، فأبصر عن بُعد بعض الصيادين الذين كانوا عائدين من رحلة صيدهم الليلية في عمق البحر. وضع يسوع حافة يده اليمنى فوق حاجبيه وهو يحاول أن يرى في مواجهة الشمس التي لم تَزَل مُنخفضةً تُواجَهُ مَن ينظر إلى الأفق. دَقَّقَ يسوع النظر لكي يتحقق من هُوِيَّتهِما فأدرك أنهما سمعان وأندراوس. لم يكن يسوع قد رآهما منذ رحلة بيت عنيا، ولكنه لم يكن يكفَّ عن الصلاة والدعاء من أجلهما ومن أجل فيلبس ونثنائيل أيضًا، فمنذ لقائهم وهو يدرك أن لله خطة عظيمة في حياتهم، لكنه كان يعلم أنهم لم يكونوا بعد مستعدين لاستقبال هذه الأمور وفهمها.
صاح يسوع: «يا رِفاق، كيفَ حالَكُم؟»
-        المعلِّم؟
اسرع سمعان وأندراوس يُجَدِّفان بكل قوتهما حتى وصلا إلى الشاطئ حيث كان يقف يسوع ثم نزلا واحتضن الثلاثة بعضهم البعض.
-        لقد افتقدتُكما يا رفاق منذ وقت بيت عنيا، كيف حالك يا «بطرس»؟
أجاب سمعان وقد بدأ كلامه باسمًا، بسبب تذكير يسوع له بذلك الاسم، ثم تحول كلامه تدريجيًّا إلى الجِدِّ.
-   ونحن أيضًا أيها المعلم، لم نتوقف عن التفكير فيك وفيما قلته عن مملكة الله. كنا دائمًا نظن أن مملكة الله هي إقامة شرع الله وإصلاح الدنيا بالدين وما يستلزمه ذلك من تغيير للحكومات والمَمَالِك. لم نَسمَع مِن قَبل ما قلته عن أن مملكة الله هي مُلك الله على القلوب.

قال أندراوس: « نعم يا سمعان هذا منطقي، فبدون حكم الله على القلوب، لن يكون هناك تغيير حقيقي. التغيير يبدأ دائمًا من الداخل وليس من الخارج. لكن ما معنى أن يحكم اللهُ القلبَ؟ كل من حولنا يفعلون ما يفعلون ويقولون إنهم يفعلون هذا لوجه الله، وإن الله يحبهم ويسكن في قلوبهم. أين الحقيقة؟»
أجابه يسوع مُبتَسِمًا: من ثِمارِهِم تعرفونهم يا أندراوس. أولسنا نعرف نوع الشجر من ثَمَرِها؟ الثمر هو ما يخرج من الشجرة دون أن تقصد. لا تستطيع شجرة التين أن تثمر شوكًا ولا تستطيع شجرة الأعشاب الشائكة أن تصطنِع كونها شجرة تين فتُثمِرُ تيناً مهما حاوَلَت. لا يجتنِ الفلاحون من الشوك عنبًا ولا من الحسك تينًا. تابِع الإنسان، لتعرِف حقيقته. تابِع أقواله التي يقولها في لحظات الغضب والخوف، حين يَقَعُ عَنهُ قِناعَهُ.  تابع الإنسان في حياته الشخصية وليس فقط في كلامه. تابعه في علاقته بالمال والنساء. من يقول إنه يحقق إرادة الله ولا يستطيع ضبط محبته للمال أو شهواته الجنسية فأغلب الظن كاذب أو مُضَلِّل ومُضَلَّل أيضًا. 
-   لكننا كُلنا يا معلم نصارع مع رغباتنا الجنسية ونقاومها ونسقط فيها أحيانًا، ونحن بأمانة أيضًا نحب الله ونريد أن نرى ممكلته تتحقق في قلوبنا وفي العالم من حولنا. هل ترانا كاذبين أو مُضلِّلين؟
-    أنت يا سمعان تصارع رغبتك الجنسية ولا تستسلم لها. تقع فيها أحيانًا، لكنك تقوم وتواصل. لكن من أقصدهم هم الذين يستسلمون لشهواتهم مُعطيِنَ لَهَا شرعيةً باختراع تشريعاتٍ دينية، أو حَرَكاتٍ سياسيةٍ ينسبونها إلى الله، وكُلُّها في النهاية تَصُبُّ في تحقيق شهواتهم التي لا تنتهي. احترزوا من الأنبياءَ الكَذَبَة الذينَ يأتونَكُم بثيابِ الحِملان، ولكنهم من داخل ذئابٌ خاطفةٌ.
-        مثل هيرودس الذي أحلَّ لنفسه الزواج من زوجة أخيه فيلبس وهو حيّ مستخدمًا السلطة والدين.

-   ليس هيرودس فقط ولكن الكثيرين في الماضي، والحاضر، و سيكونون في المستقبل. لكن كما قال المعمدان:  « سوف يأتي وقتٌ حين يوضع الفأس على أصل الشجر وكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا ستُقطَع وتُلقَى في النار
-   وقال المعمدان أيضًا إنه يُعَمِّد بماء للتوبة لكن سيأتي بعده من سيعمد بالروح القدس ونار. وهذا الشخص هو أنت يا يسوع. لقد قال عنك إنك أنت هو حملُ الله الذي سيرفع خطية العالم.
-         هيا يا أندراوس وأنت يا سمعان. دعونا نحتسي شيئًا ونواصل حديثنا، فأنا قد اشتقت كثيرًا للحديث معكما.
وَصَلَ يسوعُ وسمعانُ وأَندراوُس إلى مقهى صغير على ضفاف بحيرة الجليل، كان الصيادون يجلسون فيه للراحة واحتساء بعض المشروبات الساخنة التي يُعِدُّونها من غَلي أوراق نبات المريمية والنعناع وغيرها، وبعضهم يقوم بغسيل الشِّباك وإصلاحها. وبعدما جلسا وطلبا بعض المشروبات، قال يسوع لهما: «هَلُمّا ورائي ننادي بمملكة الله».
أجاب أندراوس: « ننادي بمملكة الله؟ ماذا تقصد؟»
-        أقصد أن تتركا صيد السمك وتتفرغا معي للدعوة.
-   أنا موافق. قالها سمعان بطرس بحسم. أنا أفكر في هذا منذ أن تقابلنا في بيت عنيا وبصراحة منذ أن عمَّدني يوحنا وأنا أشعر بشيءٍ غريب. بالرغم من أنني أصطاد السمك مع أبي منذ الطفولة، إلّا أنني منذ وقت المعمودية وأنا أشعر كلما خرجت للصيد أنني أضيع وقتي فيما هو ليس عملي الحقيقي. ما تقوله الآن يا يسوع هو كلمة الله التي كنت أنتظرها.
-         هي بالفعل كلمة الله يا بطرس.
-         وأنا أيضًا معكما.
بعد دقائق قليلة، اقترب منهما شابان يافعان فَحَيَّاهُما سَمعان وأندراوس.
-        يا معلِّم، هذا يوحنا ابن السيد زبدي صاحب أسطول الصيد الشهير في الجليل، وهذا أخوه يعقوب، وهم شركاؤنا.
-        أعرفهما. أهلا أيها الإخوة أنتما أيضًا ستتركان الصيد وتصبحان من تلاميذي.

انهدش بُطرس وأندراوس حين سمعا ما قاله يسوع بهذه الطريقة المباشرة، بل وازدادت دهشتهما عندما فوجئا بالصيادَين الثريَّين المُتَعلِّمَين، يوحنا ويعقوب وهما يقبلان دعوته. وهكذا أصبح ليسوع ستة تلاميذ، الأخوان بطرس وأندراوس، وفيلبس ونثنائيل، وابنَيّ زَبَدي؛ يوحنا ويعقوب.










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق